حين أفل نجم الأكراد
لا يزال أكراد العراق ورقة أميركية مضمونة. ما تعرضوا له من انتكاسة بسبب تخلي واشنطن عنهم بعد استفتاء الانفصال لا يعني أن هناك قرارا عالميا بالتخلي عنهم وتسليمهم لحكومة بغداد الطائفية.
عبر ربع قرن من الزمن عاش الأكراد في العراق في ما يمكن أن يشكّل بحبوحة مريحة بالقياس إلى تاريخهم الغاص بالمآسي والكوارث. لقد حررتهم حرب تحرير الكويت الأميركية عام 1991 من التبعية لحكومة بغداد المركزية. يومها وُهبوا استقلالا كان بمثابة تمهيد بديهي مؤكد لقيام دولتهم القومية.
كان الأكراد عبر تلك السنوات قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم التاريخي. ولم يكن استفتاء عام 2017 الذي دعا إليه زعيمهم التاريخي مسعود البارزاني إلا جزءا من تلك البداهة التي صارت واقع حال. فالأكراد كانوا يشعرون أن على العالم أن يكافئهم على صبرهم وعلى ما تحملوه من فواجع وما دفعوه من أثمان باهظة بسبب كفاحهم البطولي من أجل الحفاظ على هويتهم.
حين اعتبروا تلك المكافأة نوعا من الحق الذي لا يمكن أن يُناقش فإنهم قارنوا أنفسهم باليهود ونسوا الهنود الحمر. وهنا بالضبط أخطأوا في حساباتهم. وهي حسابات لم تكن مضمونة كما تبين في ما بعد.
ما لم ينتبه إليه الأكراد أن أوروبا هي التي أنصفت اليهود وكافأتهم وليست الولايات المتحدة. ولو تعلق أمر اليهود بالولايات المتحدة لما أنصفهم أحد ولظلوا هائمين على وجوههم مثلما هو حال الهنود الحمر. وهنا بالضبط تكمن قوة الأكراد وضعفهم.
الأكراد كانوا دائما ورقة سياسية أميركية بالرغم من أنهم نالوا الكثير من تعاطف وتضامن دول وشعوب أوروبية عديدة.
يوم كان نظام الرئيس الراحل صدام حسين قائما في العراق كانت الورقة الكردية مهمة ورابحة بالنسبة للولايات المتحدة. أما وقد صار العراق كله في قبضتها فأعتقد أنها قد غيرت سياستها إزاءهم. وهو ما كان متوقعا.
لم يكن ذلك الأمر ليخفى على سياسي محنك مثل مسعود البارزاني. ولكنه كما يبدو قد راهن على شعبية لم يكن لها محل في الإعراب بالنسبة للولايات المتحدة التي لم تجد في تطابق موقفها مع الموقفين الإيراني والتركي ما يخل بالتزاماتها السابقة.
لقد تعهدت الدولة العظمى التي احتلت العراق بحماية الأكراد، غير أنها لم تعدهم بإقامة وطن قومي لهم، يكون بمثابة بذرة شيطانية جديدة في المنطقة. سقط الأكراد في فخ اللغة التي لا تقول كل الحقيقة.
لكن البارزاني كان رجلا عمليا بالرغم من أنه كان يرى في منامه أحلام شعبه. لذلك اختار لغة الأمر الواقع، وهي اللغة التي وجدها الأميركيون غير صالحة للحوار معهم. وما كان البارزاني ليستقيل من منصبه رئيسا لكردستان لو أن الأمر كان متعلقا بموقف حكومة بغداد. لقد ذهب الرجل إلى عزلته بأوامر أميركية (عن طريق الإيحاء ربما) بعد أن خيبت الولايات المتحدة رجاءه.
ولكن هل علينا أن نصدق أن نجم الأكراد قد أفل أميركيا؟
لا يزال أكراد العراق ورقة أميركية مضمونة. ما تعرضوا له من انتكاسة بسبب تخلي الولايات المتحدة عنهم بعد استفتاء الانفصال لا يعني أن هناك قرارا عالميا بالتخلي عنهم وتسليمهم لحكومة بغداد الطائفية.
هناك شيء ما يُخطط له يتعلق بمصير الأكراد في المنطقة. وهو ما يضع الأكراد كلهم في سلة واحدة بغض النظر عن الخرائط السياسية التي توزعهم بين دول أربع. لا يعني ذلك المخطط أن العالم سيكون على استعداد للقبول بدولة كردستان الكبرى. غير أن ذلك لا ينفي أن الولايات المتحدة لا تميل إلى حل، من شأنه أن ينهي معاناة الأكراد في إطار الدول التي ينتمون إليها.
ستبقى المسألة الكردية حية لا في ضمائر الأكراد وعقولهم فحسب، بل أيضا في العقل السياسي الأميركي الذي يرى فيها سببا إنسانيا معقولا للتدخل.
مهما فعلت الولايات المتحدة بالأكراد فإنها لن تكون عدوا من وجهة نظرهم.
عن العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.