رقعتنا الصغيرة غير قادرة على تحمل صراع الكبار
حسين قاسم
كرديٌ سوري كان يسكن دمشق في الفترة الممتدة من عام 2001 -2012 بعد اعتقال في سجون النظام لأكثر من سبع سنوات نتيجة نشاطه المعارض، كان جلّ نشاطه بعد قضاء حكمه والإفراج عنه يرتكز على قضية الديمقراطية للسوريين والحقوق الدستورية للشعب الكردي، وكان يراهما صنوان متلازمان، صدمه مشهد زيارة صديقه المعارض السوري رياض سيف مرافقاَ أحمد رمضان وهيثم المالح “شيخ الحقوقيين” ضيعة قسطل جندو الحدودية في 17 شباط أثناء حملة “غصن الزيتون” على مدينة عفرين السورية التي بدأتها تركيا مع الفصائل الإسلامية الراديكالية للمعارضة السورية في 20 كانون الثاني. ناشط سوري يساري الانتماء قاد فعاليات مدنية في الثورة السورية، كان مغرماً بشعار (الشعب السوري واحد) و(الشعب يريد إسقاط النظام)، و (الكرد في سوريا يشكلون الحامل الموضوعي للمشروع الديمقراطي)، وقف مذهولاً أمام مشهد الناطق باسم وحدات حماية الشعب (نوري محمود) حين دعا في 20 شباط الجيش السوري للدخول إلى عفرين.
أسبقية زيارة وفد الائتلاف لضيعة قسطل جندو بثلاثة أيام على دعوة الناطق باسم وحدات حماية الشعب للجيش السوري بالدخول لعفرين لا يغير من المعنى العام والتفصيلي بشيء فالمشهدان يكملان ويحطمان ما تبقى من مشتركات للسوريين، والنتيجة سلب ونهب لممتلكات المدنيين وتعدي على المواطنين واستهزاء بمشاعرهم ومعتقداتهم من قبل فصائل إسلامية متطرفة ونزوح ما يقارب ربع مليون سوري. استجاب النظام السوري بإرسال وحدات عسكرية رمزية لم تقنع أحداً بعد تسريبات عن الرفض الروسي لهذه الدعوة المتأخرة، وحسب التسريبات فقد رفضت الوحدات صفقة سابقة كانت روسيا عرابتها قبيل بدء الحملة التركية بين إدارة عفرين الذاتية والنظام السوي لتسليمها وفق شروط لمّا تزال تفاصيلها غير منشورة، لكن المحدد لدخول الجيش السوري إلى عفرين من عدمه هو الاتفاق بين روسيا وتركيا والتي فتحت سماء عفرين للطيران التركي.
الحدث المتزامن لدخول الجيش التركي والفصائل الإسلامية المتطرفة مركز مدينة عفرين 18 آذار إنجاز صفقة خروج المسلحين من الغوطة الشرقية ونقلهم إلى إدلب برعاية روسية وفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين منها وتخييرهم بين الانتقال إلى إدلب أو مناطق النظام، والمحدد هنا أيضاً الاتفاق التركي الروسي. الأمر لا يقبل تصنيفاً أخلاقياً وطني/خائن ولا يقبل توصيفات شاعرية ومحددات داخلية للوحة السورية الأمر برمته خيارات حياتية تتعلق حياة البشر بها، السوريون مغلوبون على أمرهم ، لم تعد ثنائية نظام-معارضة راهنة أمام مشهد البقاء حياً، المعاملات الخارجية التي تتحكم بالوضع السوري أقوى من أي طرف محلي سوري، لا وحدات الحماية الشعبية كانت جادة في طلب دخول الجيش السوري، ومبررات الطلب مفهومة أيضاً، ولا الجيش السوري قادرٌ على الاستجابة دون موافقة الروس، ولا قرار الائتلاف ورئيسه السابق رياض سيف “الراقد في أحد المشافي بعد تقديم استقالته” يملك خيار الرفض أمام الطلب والأمر التركي ولا الفصائل الإسلامية في الغوطة تملك خيارات أوسع ولا المجتمع الدولي كان قادراً على اتخاذ أليات تنفيذية للقرار2401 (الهدنة الإنسانية) لوقف الأعمال القتالية لمدة 30 يوماً، على مكونات الداخل السوري أن يتقبلوا حقيقة إن رقعتنا الصغيرة غير قادرة على تحمل صراع القياصرة والأباطرة والأمراء وأن الاصطفاف القسري لا يعفينا من المقاومة أمام إغراء المال والسلطة، القراءة المتبصرة لتفاصيل ما يجري يحيلنا إلى محاولة إنقاذ ما تبقى وتفادي وقوع الأسوأ.
الخيارات الجيدة غير متاحة راهناً في اللوحة السورية والمتبجحون بشعارات الثورة السورية والذين يجترّون بطولاتهم البكرة في الأيام الأولى للثورة والذي انتهى بهم المطاف في دول الجوار أو الشتات عليهم أن يقفوا عن هذا الزعيق الذي يدمي الجرح أكثر ما يشفي، عليهم أن يقفوا بجرأة ومسؤولية أمام المعطيات الراهنة وأن يساهموا في الخيارات الواقعية وأن يتقبلوا الواقع المر.
التعليقات مغلقة.