إعادة إنتاج «حرس القرى» في عفرين كخيار تركي محتمل

45

شورش درويش

برعت تركيا خلال مراحل الصراع الذي خاضته ضد حزب العمال الكردستاني في توظيف السكان المحلّيين الأكراد كمعينين لها في الحرب ضد العمال الكردستاني، أو أقلّه خطب ود معادي هذا الحزب، كما في غض النظر عن أنشطة حزب الله التركي الذي خاض معارك نفوذ جنوب شرق الأناضول فترة التسعينات.

إلّا أن العمل الجدّي الذي قامت به تركيا تمثّل في توظيف شبكات عشائرية كردية أو ما بات يعرف بحرس القرى أو «قورجي» باللغتين الكردية والتركيّة. ولعل المكانة التي حظيت بها قبيلتا بوجاق في سيويرك وتاتار في شرناخ، وبعض القبائل الأخرى في يوسكسوفا، تدلّلان على مدى أهمّية دعم الدولة لهذه الفصائل في معركة ضد تمدّد العمال الكردستاني والإضرار بنفوذه، إن لم نقل توجيه ضربات عسكريّة له. ذلك أن حرّاس القرى الذين وصل تعدادهم إلى قرابة السبعين ألف عنصر شكّلوا الحديقة الخلفيّة لشبكتي المخابرات والدرك التركيتين خلال اشتداد الصراع الكردي- التركي أواخر التسعينات.

حظيت القوى العشائرية الكردية بالدعم المادّي والمعنوي من قبل الدولة، حيث ساهم التشبيك بينها وبين دوائر الحرب التركية إلى بروز ظاهرة الزعيم القبليّ المسيّس، كما في حالة سدات بوجاق الذي تحوّل إلى أفصح أمثلة الدعم الحكومي عبر ثنائية غض البصر عن النشاطات المشبوهة مقابل تقديم الخدمات للدولة، ليلمع اسمه من خلال براعته في القيام بدور الوسيط بين الدولة وحرس القرى الذين باتوا يتقاضون رواتبهم الشهريّة من خلاله، والتي بلغت ضعفي ما كان يتقاضاه الموظفون العموميون في تركيا حينها. إلّا أن فضيحة سوسورلوك في 1996 كشفت طبيعة التحالفات السريّة التي تقود البلاد، وسوسورلوك كانت عبارة عن حادث سير في الموقعة التي حملت اسم الفضيحة بالقرب من ولاية بالكسير، والتي أماطت اللّثام عن شبكة تحتيّة مريبة تحكم البلاد. فالحادثة كشفت عن أسماء ووظائف من كانوا في السيارة التي تعرّضت للحادثة، وهم نائب مدير عام شرطة إسطنبول، وزعيم إحدى شبكات المافيا التركية (الذئاب الرماديّة) والبرلماني سدات بوجاق، أي ثلاثية الأمر الذي قوّض هذا التحالف السرّي الذي كان أحد أعمدته أبرز زعماء حرس القرى الأكراد.

مناسبة هذا الاستذكار لطبيعة العلاقة بين الدولة التركية وشبكات المتعاونين معها من السكّان الأكراد هي إمكانية تعويم النموذج الآنف الذكر في عفرين المحتلّة. ذلك أن تاريخ تركيا في توظيف السكّان المحليين يعود إلى تقاليد سابقة على بروز ظاهرة حرس القرى، كما في حالة الخيّالة الحميديّة الذين كانوا ذراع الدولة الطامحة إلى المركزة وملء الفراغ الناجم عن انكفاء الدولة وتبديد حركات الحكم الذاتي الكردية. لكن وكأي قياس، لا بد من فوارق بين حالة حرس القرى وبين ما قد تشكّله تركيا في عفرين. فالبنية الاجتماعية في عفرين ليست بالعشائرية المتماسكة كما في حالة جنوب شرق تركيا («كردستان التركيّة»)، أضف أن مستوى التنظيم الكردي في عفرين كان مقتصراً على حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب والمرأة، بمعنى عدم قدرة المجتمع على إفراز زعاماته المحليّة القادرة على ملء الفراغ الناجم عن اندثار حضور وحدات الحماية.

لكن، ومهما يكن من أمر، فإن ما تقوم به تركيا من خلال الاعتماد على الجيش الحر لا يمكن التعويل عليه في المنظور البعيد. فهذه القوات تتعامل بكل ما أوتيت من ثأرية مع السكّان، أضف أنها منفّرة من خلال اعتمادها على السرقة وترويع السكّان، حيث أنها أشبه ما تكون بعصابات السلب والنهب التي تلهو وتعبث في ظل غياب منهجيّة حكم أو تصوّر مستقبلي للعلاقة بينها وبين السكان الأصليين، وبالتالي يصبح الطموح التركي في الاعتماد على فئة منهم تتولّى مهمّة منع وحدات الحماية من الانبعاث داخل الريف العفرينيّ حاجة تركيّة ملحّة.

لا شكّ أن مهمّة تشكيل جيش من حرّاس مصالح تركيا في عفرين مهمّة بالغة الصعوبة في سورية، لاسيّما وأن أكراد سورية يفتقرون إلى تراث في هذا المضمار، كما في حالة حرس القرى من الأكراد في تركيا، أو الأكراد الذين دخلوا في خدمة نظام صدام حسين في العراق وأطلق عليهم اسم «فرسان صلاح الدين» أو «الجحوش»، كما كان يطلق عليهم في أدبيات الثورة الكردية، تحقيراً وازدراءً لدورهم في دعم الحكومة المركزيّة. إلّا أنّ التجربة تفيدنا بأن لكل شيء مرّة أولى، وبالتالي هناك إمكانية أن يتحوّل العديد من أبناء عفرين إلى حرس قرى مدفوعين بالحاجة الماديّة، والرغبة في العودة والاستقرار في قراهم، ولعلها مهمّة أصعب من تجميع بعض العناصر الأكراد في صورة مضلِّلة واحدة، كما حصل مع كتيبة «صقور الأكراد» التي أعلنت تركيا اعتبارها من ضمن قواتها التي تشكّلت منها قوات غصن الزيتون.

قد تبذل تركيا ما في وسعها حتى تستقرّ في المنطقة المحتلّة، فالعنف العاري لن ينجب إلّا حركات تمرّد متجدّدة، كما أن إمكانية تجدّد القتال بين وحدات حماية الشعب وبين الجيش التركي والجيش الحر واردة، في ظل انتهاج وحدات حماية الشعب إستراتيجية حرب العصابات القائمة على الاستنزاف وتكبيد «العدو» الخسائر على المدى البعيد، الأمر الذي سيجعل فكرة حرس القرى أقرب للتحقّق، في ظل تلويح العديد من السياسيين الأكراد المناوئين لحزب الاتحاد الديموقراطي بالقيام بمثل هذا الدور والمهمّة المشينة، أي التحوّل إلى حرّاس في خدمة مصالح تركيا في عفرين.

 

المصدر: الحياة

 

 

التعليقات مغلقة.