معركة عفرين: استعادة الكرامة أم ممارسة السياسة
د.آزاد احمد علي
يخطأ من يظن بأنّ ممارسة السياسة لا تتطلب الحفاظ على مستوى عالٍ من الكرامة، فالسياسات التي لم تحافظ على محتوى إنساني محكوم عليها بالفشل والسقوط. معركة عفرين فتحت من جديد الباب على هذه الحقيقة، كونها محطة مهمّة في مسار الحرب السورية، فهي ليست مجرد اجتياح عسكري تركي، وإنّما تعبير عن سلوكية وأهداف المعارضتين المسلحة والسياسية السوريّة، ممثلا بالائتلاف وبعض فصائل الجيش الحر، حيث أبدى الائتلاف تأيده الصريح والموثَّق ببيان يوم 21/1/2018 جاء فيه: (يُعرب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عن دعمه ومساندته للحملة التي يساهم فيها “الجيش الوطني السوري”، الذي يضم فصائل الثورة السورية بإشراف الحكومة السورية المؤقتة، لتحرير عدد من مدن وبلدات الشّمال السوري من سيطرة القوى الإرهابية، بالتعاون والتنسيق مع الدولة التركية، وبإسنادٍ جويّ منها. لقد سبق للائتلاف الوطني أن طالب المنظمات الإرهابيّة، ومنها تنظيم العمال الكردستاني PKK بسحب عناصرها من سورية، والجلاء عن المدن والبلدات التي تحتلها وقامت بتهجير أهلها…) ثم تبع البيان تحرُّك ميداني بزيارة لرئيس الائتلاف وأعضائها لقرية قسطل جندو في مشهد استعراضي استفزازي يفتقر إلى الحد الأدنى من الحس الوطني فضلا عن الكياسة والأدب.
هذا وكان قد سبق الانعطافة الخطيرة هذه موقف في غاية الدلالة؛ تمثّل في تخويل الائتلاف وفد (الحكومة التركية) لتمثيله في مؤتمر سوتشي، ما يعني إزالة الحدود الدبلوماسيّة والتنظيميّة بين حكومة أردوغان وائتلاف المعارضة السورية، حيث باتا بموجب التخويل طرفا واحدا.
انسجاما مع تصاعد إرهاب الدولة التركية ضد المجتمعات الكُردية داخل حدود تركيا وخارجها، قررت حكومة أردوغان ذات النزوع القومي الإسلاموي الفاشي القيام بغزوات واسعة بدلا من الغارات والاجتياح المحدود، فتم أولا سرقة شعارات ورموز السلام، كثقافة تركية راسخة، فتم تسمية الحرب الأخيرة على الكُرد بعملية (غصن الزيتون). هذه العملية التي شكلت منعطفا خطيرا في مسار الحركة الوطنية السورية، مع ذلك ودون الإسهاب، الذي قد يكون ضروريا في المستقبل لتوضيح أسباب الغزو ونتائجه، نجد في المقلب الآخر -على الرغم من الخسائر والتضحيات الجسيمة والعزيزة – أنّ للغزو التركي على عفرين إيجابيات عديدة، يمكن ذكر بعضها:
1_نظرا لأنّ قِوانا السياسية مازالت لا تفقه جوهر العمل السياسي، الكامن والمتلخص في أن، ألف باء السياسة تكمن في إجادة ترتيب الأولويات، فمن غير الممكن لأي خطة سياسية أن تنجح دون معرفة الأولوية القصوى، بمعنى وضع سلم دقيق للأهم فالأكثر أهمية، وهنا بات واضحا للسياسي الكردي أو لواضع الخطط الإستراتيجية، أنّه لا بد من التدقيق في أهداف الحركة السياسية الكردية السورية، ترتيب الخطوات بدقة، تصنيف هذه الأولويات، بما فيه معرفة الأخطار وتشخيص الأعداء. لقد بات من الضرورات الملحة تصنيف الحكومة التركية كعدو أول للشعب الكُردي، دون الاجتهاد في وضعه في المرتبة الثانية، مع ما يستتبع من إجراءات ومواقف تتطلب كسر عنجهيته والدفاع المشروع عن الأرض والسكان.
2_ بات أكراد سورية بنخبهم وقواهم المدنيّة اليوم أقدر على معرفة حلفاؤهم الاستراتيجيون من أيّ وقت مضى، فالغالبية باتت تدرك أنّ الشعب السوري نفسه هو الحليف الأول والرئيس للكُرد.
3- منذ سنوات والمعارضة السورية تنتقد، بل تهاجم وتحارب النظام في دمشق على أساس أنّه قد لجأ لجهات خارجيّة في محاربته للمعارضة المسلحة، وها قد تبين أنّ المعارضة السياسية وقعت في نفس الخطأ وبدرجة أسوأ عندما سلمت كل أوراقها للأجنبي واستباحت أراضٍ سوريّة لصالح أجندات ومعارك جهة أجنبية ذات علاقة إشكالية تاريخيا مع العرب، وهي دولة وحكومة تركيا.
4- إنّ وضوح سياسات حكومة أردوغان المدعوم من التيار القومي – الفاشي التركي في معاداة أيّ مكسب قومي أو مدني للكُرد خارج كردستان تركيا، إضافة إلى حملتها العسكريّة الظالمة ضد منطقة عفرين تضع كل شخص أو جهة كردية سورية تتعامل أو تتلقى أي شكل من أشكال الدّعم من الحكومة التركية في موقع شاذ على المستويْن الوطني السوري والقومي الكردي، يصعب تبريره أو قبوله بأي شكل من الأشكال في البيت الكُردي.
5- عفرين أكبر مدينة في غربي كُردستان، وأكبر مركز اقتصادي في شمال غرب سوريا، وأكبر حاضنة للعرب النازحين من الجوار، لقد أكد الغزو التركي على طليعية وريادية مدينة عفرين، التي رسخت انتصارها وطليعيتها بالمقاومة البطولية.
6- البنية الروحية والوحدة القومية للشعب الكُردي تترسخ بعد كل هجمة من الحكومات الكولونيالية التي تقتسم كُردستان، كما يتم عملية اصطفاء الكوادر والنخبة التي ترجّح قضيتها القومية في بعدها الإنساني على مصالحها الحزبية والشخصيّة الضيقة، فقد وحدت معركة عفرين الكُرد باستثناءات عصبوية قليلة.
7- تم إعادة فرز للمتعاطفين وكذلك الحلفاء الحقيقيين للقضية الكُردية في الوسط العربي، حتى شكلت معركة عفرين امتحانا جديدا للوطنية السورية، فالمعادلة باتت بسيطة، من يقف مع عفرين وأهلها أو مع تركيا وأتباعها.
8- ضحالة المنظومة الأخلاقية والقيمية لتنظيمات الإسلام السياسيّ، ليست الجهادية فحسب، بل حتى عدد من الدعوية منها، حيث تتعاون مع عدوانية الحكم التركي الاردوغاني، تتحالف مع الظالم والمعتدي، تشرعن قتل أطفال المسلمين بكل بساطة، هذا وقد تكررت التجربة مع ضربة حكومة أردوغان لمنظمة خدمت وأنصار فتح الله كولن، الذين هم من أكثر المنظمات قربا للإسلام السلمي منه إلى الجهادي العنفي.
9- مجاميع المنشقين من النظام لا يمكن لهم أن يتحولوا بين عشية وضحاها إلى ديمقراطيين، ولا حتى وطنيين صادقين.
10- مشروع أردوغان السياسيّ الطموح سيطال البنيّة الديمغرافية لسوريا المستقبل، بما يترتب عليها من مخرجات سياسية وتوازنات في القوى، فالحرب ستكون طويلة، تركيا تخطط لسنوات وعقود قادمة، فهي تنفذ مشروع استراتيجي وليست عملية عسكرية وقائية محدودة، توهم أردوغان وأتباعه بأنّ تجربة ( درع الفرات) قد نجحت من حيث إعادة ترتيب ديمغرافية منطقة شمال حلب، من جرابلس على الفرات وحتى اعزاز غربا على تخوم عفرين.
11- لقد سببت معركة عفرين فقدان الثقة بين أطراف الناتو وخاصة تركيا وأمريكا، مما يعزز جبهة الشعوب المضطهدة، في حال توفر الأطر المناسبة للمقاومة والنهضة.
آخر ما تعلمناه من معركة عفرين، أنّ النصر لا يتحقق بالمقاومة البطولية وإعادة الاعتبار للبندقية، برفع راية الكرامة القومية فحسب، بل المكاسب السياديّة تترسخ بممارسة الكثير من السياسة وخوض القليل من الحروب.
نشر هذا المقال في العدد /75/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 1/3/2018
التعليقات مغلقة.