الحسابات الخاطئة في عفرين ..

45

 

 كمال عاكف 

على ما يبدو إن الحرب على عفرين قد تتجه نحو منحىً آخر، عدا عن تلك التي خططت لها تركيا حيث إن الفترة الزمنية حسب الجدول المخطط لها قد تضاعفت وهذا بحدّ ذاته قد شكّل أزمة داخل الصف المهاجم على عفرين بالإضافة إلى استنفاذ احتمالات الإطالة دولياً أمام الحملات الشعبيّة والتحرُّك الدبلوماسيّ والضغط الذي يمارسه الكرد في الخارج، كل هذا يخلق واقعاً آخر يُضاف إليه ما لم يتوقعه الأتراك في آليات الهجوم على عفرين، خاصة في ظل الدفاعات الأرضيّة التي ظهرت أمام تقدم الجيش التّركي؛ ومنها الألغام التي تم وضعها في الطرق التي فتحتها القوات المقاتلة هناك لجذب عناصر ومدرعات الجيش التركي، ومن ثم تدميرها بدقة، تركيا أدركت معانٍ كثيرة لم تحسبها في معركة عفرين، لذا بدأت في استفزاز القوات الحدوديّة من جهة الشّمال السّوري في أمل تخفيف التركيز من قبل الرأي العام على معركة عفرين والفخ الذي وقعت فيها تركيا في هذا الشتاء، مجرى الأمور تتجه إلى أنْ عفرين مُقبلة في وقتٍ قريب على الحدّ من التوغُّل التركي وإنّ تركيا قد قدمت لقوات سوريا الديمقراطية حجة مشروعة، عدا عن تلك التي في برنامجها من التقدم نحو مناطق سيطرة درع الفرات تماماً، كما فعلت في معركة تصفية داعش، حيث كان لهجوم داعش على مناطق الحسكة والخابور في شباط عام ٢٠١٤ ودخولهم لمناطق استراتيجية سبباً في خسارتهم لأكثر من ٢٥% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش، و تمّ تجميعهم والاطلاع عن آليات تخطيطهم، وبعد أربعة أشهر بدأت حملة تصفية لداعش و أخيراً تمّ محاصرته في الرقة ودير الزور لتكون تلك المناطق مؤخراً هدفاً لقوات سوريا ومن ثم تم تحريرها ودحر الإرهاب هناك حيث انهيار داعش في الرقة فتح آفاقاً جديدة وتغيير استراتيجي أدركته القوى التي لم تستطع الحرب في الرقّة وهزيمة داعش.

 لذا توجهت نحو الحدود الشماليّة الشرقيّة في مناطق دير الزور في أمل بسط النفوذ لبناء دور مؤثر مماثل لدور قوات سوريا الديمقراطية بعد انتصارها في مدينة الرقة، ليست هناك فروقات تُذكر في تكتيكات الحرب في عفرين، خاصة في إنّ الطّرف المهاجم هو نفسه الذي خاض حروباً في الجزيرة وكوباني وتل أبيض ومنبج والرقة ضد قوات سوريا الديمقراطيّة، فشل المخطط التركي في النيل من المشروع الذي تتحد فيه عفرين مع كوباني والجزيرة، يعني استنفاذ جميع الاحتمالات التي كانت تستطيع تركيا من خلالها التحكم المباشر والتدخُّل بقوة في الوضع السّوري في الجانب الخاص بالكرد لأنّ تركيا بالأساس تتدخل وتحارب وتخطط لهذا الهدف، وبالتالي فإن الجيوب المتبقية من جبهة النصرة وداعش ومرتزقة درع الفرات سيكونون أمام مرحلة زمنيّة كفيلة بإنهائهم طبقاً للتغيرات والتطورات التي ستحدث ما بعد معركة عفرين، المؤشرات والدلالات -خاصة فيما يخص تداخل المواقف الدولية حيال الوضع في عفرين- تشير بأنّ النصر لصالح قوات سوريا الديمقراطية سيفتح آفاقاً جديدة كفيلة بتحقيق تقدُّم نوعي على مسار الحلول التي سيكون فيها الحل المطروح من قبل قوى الشّمال السّوري بالغ التأثير، وهنا ستكون على الأرجح تركيا ضحية لسياساتها التي اقترفتها في سوريا بالتفاف دوليّ مباغت.

 المرحلة القادمة كفيلة بإظهار تركيا على إنّها سبب الفوضى والمُسبِّب الأول للصراع في المنطقة وعفرين ستكون الورقة – بعد الفشل التركي- التي من خلالها سيتم تقويض الدّور التركي في سوريا؛ الأمر الذي سيحقق للكرد ومكونات شمال سوريا دوراً رائداً يضاهي الدور العسكري الذي بات محوراً مهماً لا يمكن تجاهله في ظل التحكم الفعلي بما يزيد عن ٣٠% من مساحة سوريا من قبل قوات سوريا الديمقراطية، بذلك تكون تركيّا قد أخطأت في حساباتها وسيكون أمامها مرحلة عصيبة داخلياً، بسبب الفشل وقتلى الجيش عدا عن المفاجئات التي ستفصح عنها تباعاً حزب العمال الكردستاني مع بدايات الربيع الذي سيفتح الطريق أمام المقاتلين بعد تحسُّن الأجواء.

التعليقات مغلقة.