الجثّة حين تنتصر… بصمت

47

شورش درويش

 

 

تناقل العديد من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوّراً يظهر جثّة مقاتلة كردية تدعى بارين كوباني تنتمي إلى وحدات حماية المرأة في عفرين وقد تمّ تجريدها من ملابسها وقُطع ثدياها بينما يتحلّق حولها رهط من مقاتلي الجيش الحر مبتسمين يشتمونها ويركلونها بالأرجل.

صور التمثيل بالجثث ملأت المشهد السوري منذ بداية الاحتجاجات، فمن صور أفراد النظام وهم ينكّلون بجثث مقاتلي المعارضة، مروراً بقيام أحد مقاتلي المعارضة، ويدعى أبو صقار، بمضغ قلب مقاتل في جيش النظام ينتمي إلى الطائفة العلويّة، وصولاً إلى بقيّة المشاهد المماثلة التي يعزّ ذكرها والتي ربّما نال بعضها نصيباً وافراً من التبرير، إن لم نقل من المديح والافتتان.

ركنت الحكومة التركيّة في مسعاها إلى احتلال عفرين عبر عملية “غصن الزيتون” إلى تجميع عناصر الجيش الحر لتكون ذراعها البريّة التي ستنفّذ الهجوم، وهذا هو الجيش الحر بشحمه ولحمه، من دون أن نخفي حقيقته أو تكوينه، ليصبح الأمر بادياً للعيان، وهو أنّه بات أسير القرار التركي و “أمنه القومّي”.

أما في ما خصّ بثّ الحماسة في صفوف فصائل هذا الجيش فهو أمر هيّن على الحكومة التركيّة. فقد أزكت المشاعر الدينيّة في نفوس مقاتلي الجيش الحر عبر تصوير مقاتلي وحدات حماية الشعب في سورية وفي عفرين على وجه الخصوص على أنهم كفّار ومارقون وأن الحرب عليهم واجب شرعيّ.

صوت المقاتلين المتحلّقين حول الجثّة في مقطع الفيديو كان صدى لأصوات أطراف الصراع السوري، لكنه كان صوتاً جهورياً هذه المرة. فالضحية – الجثّة أنثى، وبذلك تصبح الدلالات الذكوريّة واحتقار المرأة المقاتلة جزءاً من خطاب التعالي لجمع الذكور المؤمنين العقلاء هؤلاء، وذلك على الضد من مقاتلة ميّتة هي ناقصة عقل ودين!

في المقابل، لن تجد أعمال التمثيل بالجثث رفضاً حكومياً تركيّا، بل ربّما تعمد الآلة الإعلامية المهللة للحرب إلى تجريم الضحيّة والتبرير للمشنّعين بالجثة، ومن نافل القول تذكّر مناظر سحل المقاتلات والمقاتلين الأكراد خلال تمرّدهم الأخير عام 2017 في نصيبين وسور وجزير في قلب تركيا، هذا عدا مشاهد أقدم نسبيّاً لعناصر من الجيش التركي يقومون فيها بالتمثيل بجثث المقاتلين في صفوف العمال الكردستاني عبر تقطيع الرؤوس والأوصال وجدع الأنوف وإبراز المناطق الحساسّة من أجساد الموتى. وبالتالي سيصبح انتظار ردود أفعال شاجبة من قبل الحكومة التركية على ما ترتكبه آلتها الرديفة في الجيش الحر ضرباً من ضروب الخيال مهما علت الأصوات الشاجبة في تركيا داخل أوساط المجتمع المدنيّ وجماعات حقوق الإنسان وحزب الشعوب الديموقراطي المعارض.

أسرفت تركيا في الحديث عن “الحرب العادلة” في عفرين بالضدّ من “الإرهابيين” كما وصفتهم، بينما صور الضحايا من المدنيين، ومشاهد التمثيل بالجثث وتوجيه الإهانات إلى المدنيين المشتبه بموالاتهم لحزب الاتحاد الديموقراطي، تؤكّد أن لا عدالة في هذه الحرب، لا في منطقها ولا في معناها العام ولا في شكل إدارتها، وأن الترهيب، الذي يجتمع لغةً مع الإرهاب، هو ما يمارس في عفرين الآن.

صفوة القول: قد يكون الحديث عن التمثيل بجثّة بارين سهلاً عند ربطه بانعدام الأخلاق، إلّا أن الموضوع أعقد من الصور التي بثّها المتفاخرون حول جسدها المسجّى والذي تتقاذفه الأرجل من حولها، إذ إنّنا نقف أمام سبع سنوات من العنف والعنف المضاد، من الكراهية والكراهية المقابلة، أمام كل شر وشر مماثل مقابل، وعليه قد لانعثر على كلمات تسعف المفجوعين بمنظر التمثيل هذا إلّا إذا اقتبسنا أقوالاً تبدو عاطفيّة في شكلها، كالقول إن جثّة بارين انتصرت على الأحياء الذين كانوا حولها، وبالمقياس ذاته فإن كلّ الجثث التي مُثّل بها انتصرت، وإن بصمت.

 

المصدر: الحياة

 

التعليقات مغلقة.