البعد الفكري لحرب أردوغان ضد عفرين

52

 د. جاويدان كمال

الحرب التي يريد أردوغان شنها ضد عفرين ورغم أنّها تحمل في طياتها أسباب اقتصادية وسياسية وقومية وشخصية فيها من العداء للقضية الكردية الجزء الأكبر وبالاضافة لأهمية عفرين من الناحية الجيوبوليتيكية بالنسبة لمستقبل الشرق الاوسط والشعب الكردي في المنطقة وكل الشعوب المتطلعة لتحقيق حريتها المنشودة، والخلافات التركية والروسية وعدم وصولها لصيغة تفاهم حول الملف السوري حتى الآن، إلا إنّها في الحقيقة حرب فكرية بين إيديولوجيتين وفكرين متناقضين، حرب تدور رحاها بين فكر ديكتاتوري مُستَبِّد يتزعمه أردوغان الطامح لإعادة بناء أمجاد الدولة العثمانية كونه يرى في نفسه السلطان الأعظم والإمام المقدس للشرق الأوسط معتمدا على ركيزتيه الأساسيتين لتمرير مخططاته ألا وهما عنصرا الدين والقومية فتراه يلعب على وتر الدين تارة وعلى وتر القومية الطورانية تارة أخرى للترويج لحربه هذه على أمل تجاوز الإخفاقات التي مُنِيَ بها على الصعيد الداخلي والخارجي.

يقابله في الجهة الأخرى في روجآفا ومن ضمنها عفرين فِكرٌ متحررٌ يسعى لإعادة بناء لحمة اجتماعية جديدة تتجاوز كل القيم البالية التي دأبت الأنظمة الشوفينية على ترسيخها في المنطقة بهدف استمرار استغلال شعوبها ونهب خيراتها واستعبادها فكريا وثقافيا وسياسيا، مشروع يبنى على أُسُسِ من الديمقراطية والعدالة والمساواة بين الرجل والمرأة، والمساواة بين الشعوب والأديان على إختلافها.

إنّه صراع وجود من عدمه بين الديمقراطية والحرية من طرف والدكتاتورية والاستعباد من طرف آخر فإما أن تنتصر الدكتاتورية وتنطفئ شعلة الحرية التي  ترفع رايتها وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية لتعلن بذلك نهاية مرحلة ربيع الشعوب وتبقى المنطقة بالتالي أسيرة التناقضات والصراعات التي يؤجج أردوغان وأعوانه نارها باستمرار لضمان سيطرتهم.

أو تنتصر إرادة الشعوب ويفشل أردوغان في حربه هذه لتكون بداية نهايته، لتصبح ثورة روجآفا قبلة شعوب المنطقة برمتها وملهمتها، ثورة تعتمد على مختلف أطياف أبنائها من شعوب وقوميات قد أختارت التعايش المشترك حلا بديلا لتلك الصراعات، ثورة تنطلق من المجتمع وتعيد بناءه بالشكل الذي يريده أبناء المنطقة وليس كما يملى عليهم، ثورة تعيد للمرأة كرامتها وتمنحها كافة حقوقها المستلبة وتفسح الطريق أمام الشباب للمساهمة في عملية بناء النظام السياسي الذي يرون هم فيه الوسيلة الأفضل للحفاظ على مكتسبات ثورتهم وضمان عدم انحرافها عن مسارها.

هذه الإرادة التي انتصرت في كوباني ستنتصر في عفرين أيضا لا محالة، وستتجاوز كافة المحن التي واجهتها بدءا من المجاميع المسلحة وارهاب داعش وانتهاءا بأردوغان وأمثاله، ليبقى الدور على العالم كل العالم لدعم هذه التجربة وتطويرها والحفاظ عليها ولاسيما أبناء روجآفا من مثقفين وإعلاميين وأكادميين ومهندسين وأطباء وتربويين لترسيخ جذور التجربة الوليدة وتجاوز الأخطاء والعمل منذ الآن على تطوير كافة قطاعات المجتمع والنظام الجديد لحين الوصول إلى الشكل الأمثل الذي نسعى إليه.

 

التعليقات مغلقة.