إيران  – الشعوب وقود الثورات

173

 

أكرم حسين
أياً تكن الاسباب التي دفعت الناس للتحرك والاحتجاج، فان «ثورة » الخميني التي أطلقها عام 1979 لم تستطع أن تكون أنموذجاً جاذبا للشعوب والدول المحيطة بإيران  رغم المحاولات الحثيثة لقادتها بتصديرها، وتعميم نموذجها، لأسباب عديدة: منها افتقادها إلى  معايير الثورات التي تتيح لها أن تصل إلى  مرحلة النجاح والتأثير وهذه المعايير كما يقول عنها  مايكل ريتشارد هي تحقيق حرية الفرد، وبناء نظام سياسي مرن ومفتوح، وتحسين ظروف حياة الناس ومعيشتهم، وهو ما أدى إلى  أن يكون أفق ما قام به الخميني مفتوحا على إمكانية الفشل حتى ولو بعد حين، لأن السلطة المادية والمعنوية اعتمدت على نظام ولاية الفقيه وسطوته وتبنت المفاهيم المذهبية والطائفية في تصدير نموذجها الثيوقراطي بحجة حماية «الشيعة » والتدخل في شؤون دول المنطقة حيث دعمت ميليشياتها بالمال والسلاح، مما أصابت الدولة الإيرانية بالانحطاط السياسي والتصلب المؤسساتي، وعدم مواكبة المجتمع  والقدرة على استيعاب فئات وشرائج اجتماعية جديدة ضمن النظام السياسي القائم.
لقد راكمت إيران  العداوات من خلال سياساتها  التوسعية، وتحولت إلى  دولة مارقة وشبه منبوذة في محيطها الجغرافي،  وما نشهده اليوم من احتجاجات يكاد أن يكون قريبا  مما جرى في بداية الثورة السورية ، فهل نحن أمام ربيع إيراني حقيقي بعد أن تسببت في وأده في سوريا واليمن وأماكن أخرى؟
في ظل تأكيد كل من  روسيا، وتركيا وإيران ، على مواقفها المعادية للاحتجاجات التي تجري في بعض مدن وقصبات إيران  ولحرية الشعوب، كما وقفت  سابقاً تركيا وإيران  في وجه استفتاء كردستان واتخذتا موقفا عدائيا تجاهه، أما روسيا فلم تقدم له شيئاً قد يكون ذا معنى ! .
دائما تلقي الانظمة الاستبدادية والثيوقراطية  باللائمة على الخارج، فيما يحدث لديها من مشاكل وما تعترضها من صعوبات، وتتهم  امريكا والغرب بالتدخل والعبث بأمن البلد واستهداف استقراره وتفكيك وحدته، استنادا إلى  تاريخهم في نسج خيوط المؤامرات ضد أوطانهم وشعوبهم حتى وإن كان الفعل داخليا محضا! وهذا ما قامت به بالضبط  طهران، حين اتهمت امريكا واسرائيل بالتحريض والوقوف خلف هذه الاحتجاجات، اتهام جوهره التخلف والعجز عن الفهم الدقيق والتحليل العميق للبنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة! ففي بداية الربيع العربي تم التركيز على الاسباب الداخلية العميقة التي أدت إلى  انطلاق شرارة هذه الثورات، لكن مع تفاقم الأمور وتأزمها عاد الحديث يتصاعد من جديد عن المؤامرة واسرائيل! وعن المجتمع الدولي الذي لم يتحرك !
التناقض في المعايير هي السمة الرئيسية للسياسة الروسية في المنطقة  ففي سوريا يعلن الروس بانهم مع قيام دولة علمانية لا طائفية وفق القرار 2254 أما في إيران  فيدعمون و يدافعون عن دولة ثيوقراطية بقيادة الولي الفقيه، لأن مصالحها ستتأذى من التغيير، في حين أن  جوهر الموقف التركي يرتكز على الخوف من أن يمتد  حريق إيران  ويصل إليه، وهو المسكون بالفوبيا الكردية، دائما، لأن هذا الحريق هو ضد الحكم الاسلامي، ليس في إيران  وحدها بل في تركيا أيضا، لذلك سارع أردوغان في الوقوف إلى  جانب حسن روحاني رغم العداء السافر والخلافات العميقة بينهما.
لقد شهدت مدينة مشهد في إيران  أولى هذه الاحتجاجات، سرعان ما امتدت لتشمل كل المدن التي لم تشارك في الانتفاضة الخضراء عام 2009 والتي خاضتها النخبة بنَفَس إصلاحي ولم تقبل التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية  واقتصرت المشاركة فيها على الشعب الفارسي دون الشعوب الاخرى ولا سيما التركمان والبلوش واللور إذ اعتبرتها شأناً داخل النظام وليست فيها أية فرصة  لطرح قضاياها، في حين تميزت الاحتجاجات الحالية بمشاركة واسعة من قبل الجيل الجديد الذي قاد الاحتجاج والتظاهر، بسبب برنامج جديد للتقشف وزيادة ميزانية التسلح، لكن ثمة دوافع وأسباب داخلية عميقة دفعت الناس للاحتجاج، بدءاً من تردي الأوضاع الاقتصادية والانسانية، والذي دفع  أعداداً كبيرة من الإيرانيين  للعيش تحت خط الفقر، مروراً باتساع ظاهرة الظلم والقهر القومي، وفشل الحكومات  في وضع حد للفساد، وتأمين حياة لائقة بالإيرانيين بعد الاتفاق النووي، وانتهاءً بتنامي مشاعر الامتعاض والغضب  من وصول القتلى الذين قضوا نحبهم في حروب خارجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، كسورية والعراق واليمن ولبنان، وهذا ما يفسر الحضور القوي لشعاري، «إيران  أولاً»، و «لا غزة ولا سورية ولا لبنان، روحي فداء لإيران »،
من المبكر معرفة مـال الاحتجاجات  التي تجري في إيران   اليوم، لأنها مرهونة بمشاركة الأذريين، أولا،  والكرد ثانيا،  ومن خلفهما عرب الأهواز والبلوش واللور، لكن في مطلق الاحوال ستكون هذه الاحتجاجات منعطفا ايجابيا وعلامة فارقة في تاريخ دولة إيران، فالمشهد الإيران ي قد يسير نحو الانصياع  لرغبة الشارع وتلبية مطالبه، وبالتالي البدء بمسيرة اصلاح سياسي شامل وعميق بما فيه الدستور ووقف التدخل في شؤون المنطقة، واما ستتجه الاوضاع إلى  مزيد من التدهور وإلى  شكل من أشكال الحرب الاهلية، وهذا ما سيكون عليه الحال في حال دعمت الحراك قوى اقليمية ودولية، ونفذ دونالد ترامب  تعهداته بتقديم الدعم اللازم للشعب الإيراني في الوقت المناسب.
في ضوء كل العناصر السابقة ينبغي أن لا تبقى القوى الكردية في إيران  رهن الترقب والانتظار، لا بل عليها أن تبادر إلى  توحيد  صفوفها وتبيان رؤيتها، وأن تنسق مع كافة الأطراف المؤمنة بالحوار والحل السلمي سبيلا وحيداً لحل القضية الكردية، عبر قيام نظام ديمقراطي تعددي يكفل لكافة مكونات الشعب الإيراني حقوقه القومية  والديمقراطية، والتي فشلت «ثورة »  الخميني  في تحقيقها!
ان اهتزاز الوضع واضعاف  نظام الملالي في إيران ، سينعكس ايجابا على حركة الحرية والسلام والاستقرار في المنطقة عموما وفي كردستان باشور على وجه الخصوص ، ورغم كل ما يشاع في الاعلام وما يروج له، فانه لا يمكن وضع آمال حقيقية على ما يجري، إلا إذا تحرك الكرد والأذريون بشكل أساسي لأسباب قومية وسياسية واجتماعية،  فالنظام قوي وما زال يحظى بقاعدة شعبية واسعة !

 

نشر هذا المقال في العدد /72/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/1/2018

التعليقات مغلقة.