الملالي والمآلات

52

 

*اياد عبدالكريم

الأكثر تنظيما وتمتعاً بوجود فصائل سياسية هو المجتمع الكردي في كردستان إيران، حيث لم يتوقف  نضال الشعب الكردي في إيران منذ سقوط جهورية مهاباد عام 1947 وإعدام الشاه للقاضي محمد، و بإمكانه لعب دور مهم في المشهد الإيراني في حال امتلاكه لرؤية استراتيجية وجذرية للحل”
إن ما يميز الاحتجاجات الحالية في إيران عن سابقاتها وخاصة الثورة الخضراء أن الاحتجاجات الحالية لا تتمتع بغطاء سياسي ضمن إطار منظومة الحكم الإيراني الحالي حيث كان تيار الإصلاحيين يقود ثورة 2009 وكان أبرز قادتها مهدي كروبي ومير حسين موسوي بينما لا أحد يتبنى حتى الآن الاحتجاجات الحالية، وهنا سرّ أهميتها وخطورتها، فرغم توجيه الأصابع نحو تيار اليمين وتحديداً الرئيس السابق  “أحمدي نجاد” بالوقوف وراء إشعال هذه الاحتجاجات وإن صحت هذه الرواية فاعتقد أن الأمر خرج عن سيطرة اليمين ولم يعد بإمكانهم ضبط الاحتجاجات.

إذ ليس خافياً على أحد بأن هناك أزمة اقتصادية تجتاح إيران وخاصة بعد تدخلاتها المباشرة والعلنية في دول المنطقة ودعمها لتيارات عديدة داخل عدة دول للسيطرة على مراكز قراراتها وأدت ثورات الربيع العربي بما أنجزته من فوضى إلى تسهيل عملية التدخل الإيراني وغير الإيراني في المنطقة بشكل عام .

لكن هذا التدخل المفرط لإيران عبر ضخ الأموال الإيرانية إلى جانب تصديرها للمقاتلين الإيرانيين إلى مختلف الجبهات الساخنة بهدف تنفيذ مخططات إيران بربط دول عربية عدة عبر ممرات جغرافية تخدم بسط نفوذها في المنطقة.

وهذه المحاولات الإيرانية عملياً أرهقت حكومة طهران كما أرهقت الشعب الإيراني الذي يدفع ثمن تحقيق حلم الإمبراطورية الذي لم يراعي وجود جهات إقليمية هي ذاتها لم تنكر أنها تنوي التدخل في الشؤون الإيرانية عبر دعم الاحتجاجات وتأييدها.

باعتقادي أن الغرب لن يكون جاداً في نيته دعم إسقاط النظام الإيراني فالولايات المتحدة أو حتى اوربا عرابة الاتفاق النووي، لم تقرر التدخل المباشر لدعم احتجاجات إيران الأخيرة أو حتى مجرد التفكير في قلب وتغيير نظام الملالي فالحفاظ على توازن الرعب القائم بين إيران ودول الخليج العربي حاجة اقتصادية واستراتيجية بالنسبة للغرب وإسقاط نظام إيران سيخل بهذا التوازن خصوصاً بعد أن أخذت معظم الصراعات في المنطقة الطابع  الديني والمذهبي ومن هنا ربما صورة المشهد تتضح أكثر فنظام الخامنئي لن يزول بسهولة.

لكن تغوّل الدور الإيراني في المنطقة والبدء بتحجيمه عبر إجبار إيران للاستدارة للداخل والاهتمام بشؤونها سيعطي الفرصة لشعوب المنطقة لحل مشاكلها وصياغة الحلول بعيداً عن تأثير الدور الإيراني المباشر.

أعتقد أن المسألة الأهم هي أن إيران لن تجد أصدقاء حقيقيين يقفون إلى جانبها في حال تطورت الاحتجاجات وأخذت شكلا أكثر تطوراً خصوصاً مع تسرب العديد من المعلومات التي تحدثت عن تضارب مصالح “إيراني روسي” داخل سوريا وخلافات عميقة حول شكل الحل السياسي وشكل سوريا المستقبل حيث يقبل الروس بشكل من الفدرالية بينما يرفض الإيرانيون ذلك وسيشكل انشغال إيران بملفات داخلية مصلحة روسيا.

مسألة أخرى هامة تسجل لصالح النظام الإيراني وهي غياب دور فاعل للمعارضة لإيرانية حيث الشعب الإيراني لن يقبل بسهولة بدور تلعبه منظمة مجاهدي خلق على سبيل المثال الذين شاركوا في الحرب العراقية على إيران ومن جهة أخرى لن يكون من السهل قبول دور مستقبلي لورثة عرش الشاه فالشعب الإيراني سيواجه مشكلة حقيقية في تنظيم قواه وخلق بدائل للنظام الإيراني، ولا ننسى هنا أن الأكثر تنظيما وتمتعاً بوجود فصائل سياسية هو المجتمع الكردي في كردستان إيران، حيث لم يتوقف  نضال الشعب الكردي في إيران منذ سقوط جهورية مهاباد عام 1947 وإعدام الشاه للقاضي محمد قائد انتفاضة مهاباد، ولاحقاً اغتيال الدكتور عبدالرحمن قاسملو في النمسا اثناء عملية التفاوض مع الجانب الإيراني وكذلك اغتيال خلفه الدكتور صادق شرفكندي إضافة إلى إعدامات شبه يومية لنشطاء كرد ينتمون إلى حزب الحياة الحرة الكردستاني.

من جهة أخرى فإن ما يجري في إيران سيؤثر بشكل أو بآخر على أنظمة أخرى وقد شكل درساً مهماً لدول المنطقة وفي المقدمة منها تركيا التي ستفهم الدرس جيداً وهي التي تعاني من أزمات داخلية عميقة وتبدلات في أوضاعها آخرها أنها باتت حاضنة مكتظة بعناصر وخلايا تنظيم داعش الإرهابي إضافة لأعداد كبيرة من اللاجئين وتراجع في قيمة عملتها وفشل مستمر في التقرب من الاتحاد الأوربي إضافة لتورطها في العديد من الملفات الإقليمية ليس أولها الملف السوري ولن يكون آخرها تدخلها في الصراع الخليجي القطري حيث أرسلت قواتها العسكري لقاعدة “العديد” في الدوحة.

الحقيقة أنه بإمكان الشعب الكردي في إيران لعب دور مهم في المشهد الإيراني في حال امتلاكه لرؤية استراتيجية وجذرية للحل خصوصاً وأن شعوب عديدة تنتمي للجغرافية الإيرانية التي تعاني من التهميش والإقصاء والقمع وجميعها تتطلع للتحرر والديمقراطية.

إن المشكلة الحقيقية لدى الأنظمة الاستبدادية في المنطقة أنها تفكر في كل شيء إلا في شعوبها، فإيران ايضاً اهتمت بالتسلح وتطوير منظومتها النووية بالدرجة الأولى وباستغلال الأهواء المذهبية لدى الشيعة في العديد من دول المنطقة واعتبرت أن كل شيعي هو جزء من الوطن الإيراني، وهذه الاستهانة بالجبهات الداخلية دوماً ما كانت الفخ الأهم الذي وقعت في أنظمة الاستبداد فالشعوب وجدت لتعيش بأمان واستقرار وليس مجرد جيوش للحرب والقتال.

* عضو المنسقية العامة لحركة الإصلاح – سوريا

 

 

نشرا هذا المقال في عدد /72/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/1/2018

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.