لماذا وقفنا ضد «الثورة»؟!/ سوسن الشاعر
ضمن ورقة قدمتها إحدى الإعلاميات المغربيات في منتدى «أصيلة» عددت الزميلة الفاضلة الدول التي «قمعت» ثوراتها وذكرت البحرين ضمنها، ولا أدري إن كانت زميلتنا العزيزة زارت البحرين أو زارت مصر؟ وهل هي على اطلاع بتعقيدات الأحداث وتفاصيلها أم أن للثورات «مانيول»؛ كتيبا إرشاديا واحدا؛ يصلح لكل مكان ولكل زمان؟ الإسقاطات التي يفرضها بعض المثقفين مستمدين زخمها من مخزون معرفي محدود ومسطرة قصيرة لم تصل إلى ربع المسافة الجغرافية التي تفصل بينهم وبين دول يتحدثون عنها وكأنهم أهلها تستفزك، وخصوصا أنهم صدقوا أنهم أدرى منك بمصلحتك.
على صعيد آخر، كل جدل حول الربيع العربي يظنه السوري اعتراضا على حقه في الثورة على نظام مستبد قتل منه أكثر من 200 ألف إنسان، ويحسبه المثقف المصري تشكيكا في حقه بثورة 30 يونيو (حزيران)، وبعض المثقفين المغاربة يحسبون كل صيحة ضد الثورات هي صيحة مع الرجعية ومساندة للأنظمة القمعية، والمثقف الذي يعيش على ضفاف الأطلسي ولم يغادر محافظته ولم يقرأ ولم يعرف كيف أعيش ومن أنا وما مكتسباتي وما طموحاتي في البحرين أو الكويت مثلا، يدعي أنه يعرف ما يصلح لنا، ونحن الذين نبعد عنه آلاف الأميال، حتى أصبح المغربي سوريا أكثر من السوريين، والتونسي مصريا أكثر من المصريين، وبعض المثقفين العرب بحرينيين أكثر منا!!
نعم، وقفنا كبحرينيين ضد من رفع راية «الثورة» في البحرين في وطني لأننا نعرف من رفعها، ولم تغرنا المصاحف التي رفعت، فكيف لي وأنا «المرأة» أن أؤيد أو أساند أو أشجع «جماعة دينية» متشددة تجاه قضايا المرأة منذ تأسيسها حتى لحظة قيامها بـ«الثورة» وقفت ضد قانون الأسرة ولم تتضمن قائمة مرشحيها النيابية أو البلدية اسم امرأة من عضواتها على كثرتهن؟
رغم أن تلك الجماعة أسست حزبها في دولة منح دستورها المرأة حق وحرية الترشيح والانتخاب، ومكنها نظامها السياسي من اعتلاء مناصب وزارية ودبلوماسية، كيف لي أن أجري خلف جماعة هضمت حقي كامرأة بالفعل والممارسة لمجرد أن هذه الجماعة رفعت راية «الثورة»؟
كيف لنا أن نؤيد جماعة دينية متشددة لا تضم عضوا من المذهب الآخر في حزبها السياسي، ورفضت تضمين قوائمها الانتخابية أسماء من الأحزاب الأخرى والمتحالفة معها لأن مرجعيتها أفتت بعدم جواز تمكين «العلمانيين» وإن كانوا شيعة، كيف وشعب البحرين عايش التعدديات والحريات والتسامح منذ قرون، فكيف يؤيد ثورة قامت بها جماعة طائفية ضيقة الأفق لم تضم حتى الشيعة المخالفين لها؟
كيف يجري شعب بأكمله وراء شعارات رفعتها تلك الجماعة عن تداول السلطة وأمينها العام لم يتزحزح من مقعده منذ لحظة تأسيس الحزب قبل 12 عاما ويفوز بالتزكية في كل دورة في اجتماعات عمومية لا يكتمل فيها حتى النصاب القانوني؟ كيف لنا أن نتبع ونجري خلفها لمجرد أن هذه الجماعة رفعت شعار «الديمقراطية»؟
كيف لنا والمواطن في البحرين حر في اختيار معتقده وقناعاته الذاتية؛ لم يفرض عليه قانون ارتداء زي معين؛ ولم يفرض عليه دستوره أو نظامه السياسي الاقتداء بمرجعية دينية معينة، ترك له وطنه حرية أن يرفض ما يشاء ويؤمن بما يشاء، فليس بين الإنسان وبين الله عز وجل حجاب ولا يحتاج لوصاية أحد، كيف لهذا الشعب أن يسلم أمره لجماعة أمينها العام يصرح علانية بأنه خادم لمرجعية دينية إيرانية يراها معصومة عن الخطأ، وفق معتقده الشخصي، ولا يعرض قائمته الانتخابية على الناخبين إلا بعد الحصول على مباركة مرجعيتها، وينافس الآخرين بتلك «المباركة الإيمانية»، فلم تحصل هذه الجماعة على مقاعدها إلا بعد أن أطلق شيخها ومعممها اسم «القائمة الإيمانية» على قائمتها الانتخابية، جماعة لا تقر قانونا ولا تسير مسيرة ولا تصرح تصريحا ولا تتخذ موقفا إلا بعد استخارة معممها؟
كيف لأبناء المذهب الآخر – أيا كان – أن يأتمن جماعة حزبية حين مكنت من الأدوات الديمقراطية، استخدمتها لتسأل الحكومة عن أسماء الموظفين الجدد لتعرف كم شيعيا وكم سنيا تم توظيفه؟ ولم تسأل عن «معايير التوظيف» لتتحقق من الالتزام بتكافؤ الفرص والتساوي بينها؟!
كيف للبحريني الذي يملك كافة حقوقه الشخصية والمدنية والسياسية وله الحق في الترشيح والانتخاب في مجالس بلدية أو نيابية أو نقابية أو تأسيس حزبه السياسي، أن يصدق أن أصحاب هذه العمائم ستحفظ له حقه السياسي والمدني؟!
كيف لي أنا شخصيا وأنا التي أملك مساحة من حرية التعبير مكنتني من كتابة مقال يومي أنتقد فيه من أشاء ومتى أشاء بلا رقيب وأختلف مع الحكومة، ولي الحق بانتقاد حتى المراسيم الملكية، أن أأتمن هذه الجماعة على حفظ هذه الحقوق وصونها وهي التي تغاضت وسكتت عن فتاوى هدر دم أحد الكتاب لمجرد أنه انتقدها وسكتت عن قوائم العار لكتاب يختلفون معها وسكتت عن رسائل تهديد ومحاولات قتل لكتاب مختلفين معها؟ أبعد كل هذا الذي أراه وأسمعه وأعايشه أوافقها ولا أعترض عليها فقط حتى لا يقال عني في أوساط المثقفين إنني رجعية أقف ضد «الثورات» وتطلعات الشعوب؟!
البحرين لم تقمع الثورة، بل رفضها شعب البحرين وتصدى لها، وكم كنت أود سماع رأي زميلتنا في ثورة تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين في المغرب الشقيق – لا سمح الله – تحمل فيها المتفجرات والمفخخات والمولوتوف وتسعى فيها للانقلاب على الدستور بمساعدة حكومة دولة أجنبية، هل كانت ستسمي تصدي قوات الأمن المغربية حينها «قمعا»؟ وهل ستساند – كامرأة – هذه «الثورة»؟!
كنت أظن أن هذه الأسئلة المشروعة تحتاج إلى أن يسمعها مسؤول أميركي أو بريطاني يريد أن يعرف لِمَ وقفنا ضد «الثورة» في البحرين ورفضنا الانصياع لإرهاب هذه الجماعات وعنفها وتهديدها رغم علمنا بحجم التأييد الأميركي الذي حظيت به، فلن ننسى حين وقف الرئيس أوباما في مارس (آذار) 2011 وأمر البحرين بنظامها وشعبها أن ينصاعوا لحزب الدعوة البحريني (جمعية الوفاق) ويجلسوا للتحاور معها، تماما كما حاول أن يأمر الشعب المصري بالانصياع لجماعة الإخوان المسلمين والتحاور معها على اعتبار أن الجماعتين تمثلان الشعبين المصري والبحريني!
لكننا اكتشفنا أن المثقف العربي هو الآخر يحتاج إلى أن يسمع تلك الأسئلة المشروعة منا، فبعضنا يجهل بعضه، وكل منا يفتي للآخر، حتى أهل مكة.. لم يعودوا أدرى بشعابها؛ لأن بعض «المثقفين العرب» يعتقدون أنهم أدرى بها من السعوديين!!
عن الشرق الأوسط
التعليقات مغلقة.