الشرق الأوسط الجديد والكورد……هل بدأ العد التنازلي ؟!!

111

هيثم محمدسليم حسكي

 

أوصلت الانتخابات الامريكية الأخيرة المرشح الجمهوري ” دونالد ترامب ” إلى سدة الرئاسة بعد فوزه على منافسته ” هيلاري “, الفوز الذي حُضّرَ له في أقبية اللوبي اليهودي, فقد ملَّت إسرائيل من خطاب الديمقراطيين اللين تجاه القضايا الحاسمة, والمصيرية, ووجدت ضالتها في ” ترامب ” الذي ضرب بعرض الحائط أغلب البروتوكولات المعتمدة حتى قبل توليه السلطة, كما أن فوزه مهّد الطريق للمشروع الأمريكي الذي تأخر تنفيذه فيما يخص الشرق الأوسط الجديد ( تقسيم المجزأ ), والتركيز على الأقليات, وحقوقها, وخلق كيانات جديدة, ولعلَّ الربيع العربي بكل تفاصيله كان اللبنة شبه المفصلية لهذا المشروع, ثم تبعه فوز ” ترامب ” ليكتمل المشروع, فالرجل كان في أغلب خطاباته الانتخابية يلمح إلى منحى لم تعهده السياسة الدولية , وكان هذا التوجس يرعب حتى الغرب, فاستلام هكذا شخصية من شأنها إثارة أزمات دولية قد لا تحمد عقباها , وبعد تولي ” ترامب ” توجهت الأنظار إلى المرحلة التالية حيث ترقب العالم بأسره ما سيفعله الرجل ,وقد بدأ أولى خطواته وقتها بزيارةٍ إلى السعودية ,و وقّع معها ,ومع دول الخليج صفقة بمليارات الدولارات , وحين عارضت قطر دفع حصتها لأسباب تتعلق بحسابات إقليمية قامت السعودية, وبعض حلفائها بمقاطعتها سياسياً ,لتكون بداية خلق الأزمات بعدها توجه مباشرةً إلى إسرائيل كردّ دين للوبي اليهودي الذي أوصله إلى سدة الرئاسة الأمريكية, وليتبين فيما بعد أن القدس ستكون العاصمة الأزلية لإسرائيل .

ولتكون أول ,وأقوى دولة في الأمم المتحدة تعترف بإسرائيل ككيان شرعي متكامل بنقل السفارة الأمريكية من ” تل أبيب ” إلى ” القدس ” ,و اعتبارها عاصمة لإسرائيل, القرار الذي فاجأ الغرب حتى. وبهذا القرار قلب الطاولة على الجميع, وكشف عورات الذين اختبأوا وراء الشعارات, وباعوا الكلام لشعوبهم, وما يهمنا ككورد من تولي شخصية مثل ” ترامب ” إدارة أقوى دولة في العالم خصوصاً بعدما وجهت تلك الإدارة صفعة قوية للكرد في إقليم كردستان بعد إعلانه استفتاء الاستقلال, وتركه لقمة سائغة لمليشيات الحشد الشعبي, وضغطت على حكومة كردستان للإنسحاب إلى مناطق 2003, ما أفقد الكرد الثقة بالسياسة الأمريكية, وبنفس الوقت التناقض في التعامل مع ملف الكرد في روج آفاي كردستان أثار الكثير من التساؤلات, فقد تعاملت مع القوات الكردية المقاتلة على الأرض بشكل شبه رسمي رغم معرفتها المسبقة بأن جُلَّها من قيادات ,وكودار حزب العمال الكردستاني ”  PKK “, والذي تضعه على لائحة التنظيمات الإرهابية, وقدمت لها ما لم تقدمه إلى تشكيل عسكري آخر في الصراع السوري, وذلك بتشكيل غرفة عمليات مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية ” QSD “, والتي تشكل وحدات حماية الشعب ” YPG ” عمودها الفقري, وتمت إدارة تلك الغرفة من قبل التحالف وكوادر الكردستاني مع استبعاد بقية قادة الفصائل من المكونات الأخرى المنخرطة ضمن “QSD “من تلك الغرفة لعدم ثقة التحالف بهم, وكذا القوات الكردية حيث تبين لاحقاً تواطؤ الكثير من الفصائل مع تنظيم ” داعش ” كقوات النخبة السورية العائدة لــــ ” أحمد الجربا ” , وغيرها وصولاً إلى “طلال سلو”.

ويمكن القول بأن الدعم اللامتناهي للقوات الكردية رغم المعارضة التركية الشديدة دليل آخر على أن إدارة ” ترامب ” تسعى إلى بناء كيان موازي ( قد لا يكون كردياً صرفاً ), لكنه سيكون كياناً مستقلاً إدارياً, واقتصادياً,  وحتى عسكرياً عن أي كيان سوري مستقبلاً, والروس متأكدون من ذلك حيث أشارت وسائل إعلام روسية رسمية, وفي مقدمتها ” روسيا اليوم ” بشكل صريح إلى المشروع الأمريكي في المنطقة .

يضاف إليه الصمت الدولي عموماً, والروسي, والأمريكي خصوصاً إزاء الانتخابات الأخيرة التي جرت في الشمال السوري عموماً ( روج آفاي كردستان خصوصاً ), وتجاوز ذلك تواجد وفود شبه رسمية من التحالف, والروس لمراقبة سير العملية الانتخابية, ولو بشكل بروتوكولي في رسالة قوية للكرد بأنهم لن يكونوا مهمشين في آية خطوة دولية لاحقة, وتبين ذلك من خلال الإصرار الأمريكي, وحتى الروسي على إشراك الكرد في أي مؤتمر يخص الشأن السوري رغم تواجد المجلس الوطني الكردي ” ENKS” ضمن الإئتلاف السوري المعارض, والمتواجد في معظم تلك المؤتمرات, فهما يعتبران أن الكرد المسيطرين على زمام الأمور في الداخل هم الممثلون الأقوى للكرد, فبيدهم أوراق كثيرة أولها, وأهمها النفط, والغاز, والمياه, وليس آخرها المعابر البرية, وقد عبر ” ترامب ” في إحدى تسجيلاته المصورة صراحةً “بأن الكرد في حربهم ضد تنظيم ” داعش ” أبدوا شجاعة عالية, وأنهم شعبٌ يستحق أن يُقدم له الدعم, والتسليح, وأن يُنظَر إليه بشكل آخر ” .

كما أن تصريحات قيادات أمريكية في التحالف بأنهم يسعون مع حلفائهم في ” QSD ” إلى الوصول إلى البحر المتوسط, وعدم تغيير ممثل التحالف ” بريت ماكغورك “, والذي يصفه الكثير من المراقبين بأنه قريب من كرد روج آفا, وتغير وجهة ” QSD ” نحو السيطرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات وصولاً إلى الحدود العراقية جميع تلك المعطيات توحي بقرب اكتمال المشروع الشرق أوسطي الجديد فيما يخص الكرد على الأقل, وذلك بجعل مناطق النفط, والغاز, والمياه تحت الوصاية الامريكية, وبحماية كردية, ولتشكل تلك المناطق كيان وليد لا يقل أهمية اقتصادية, واستراتيجية, ومصدر للطاقة عن الدول الإقليمية المجاورة .

 

كاتب كردي سوري مقيم في سوريا*

 

نشر هذا المقال في العدد /71/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/12/2017

التعليقات مغلقة.