سوتشي وعقدة الكرد

45

خورشيد دلي

في الشكل تبدو تركيا وروسيا وإيران في تحالف واحد، لعل الهدف منه هو كيفية إبعاد الولايات المتحدة عن الأزمة السورية عبر مسار إقليمي، انطلق من آستانة على أن يتوج في سوتشي، لكن في الجوهر ثمة تناقضات عميقة في رؤية كل طرف إزاء مستقبل الصراع في سورية، ولعل هذا التناقض استدعى قمة سوتشي ومن ثم مؤتمر سوتشي (للحوار الوطني السوري) لتحديد أدوار كل طرف في مرحلة ما بعد «داعش» وشكل الحل السياسي.

في تطلع موسكو إلى هندسة الحل السياسي تواجه عقبة كبيرة بعد دعوتها حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي لحضور مؤتمر سوتشي، إذ أظهرت هذه الدعوة خلافاً روسياً – تركياً، على شكل اختبار حقيقي للعلاقة بينهما، وقد كان لافتاً قبل فترة قول ميخائيل بوغدانوف إن هؤلاء الأكراد مواطنون سوريون وليسوا أتراكاً، وذلك رداً على إعلان تركيا رفضها حضور حزب الاتحاد الذي تصنفه تركيا إرهابياً بوصفه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، وهو ما فجر جدلاً بين البلدين على شكل تصريحات متبادلة، بين تأكيد تركيا رفضها مشاركة الحزب المذكور في أي مؤتمر دولي وبين تأكيد موسكو على ضرورة أوسع مشاركة في مؤتمر سوتشي بما في ذلك هذا الحزب، ولعل تمسك تركيا بموقفها هذا له علاقة بقدرتها على إفشال هذا المؤتمر أو على الأقل إفراغه من تحقيق هدفه مسبقاً، نظراً إلى تأثيرها القوي على فصائل المعارضة السياسية (الائتلاف) والعسكرية (فصائل الجيش الحر) حيث يشكل حضور هذه الفصائل قيمة أساسية للمؤتمر، وقد أعلنت رفضها حضور المؤتمر بوصفه يعيد إحياء النظام ويجري خارج رعاية الأمم المتحدة ومرجعية جنيف والقرار الدولي رقم 2254.

الجدل الروسي – التركي بشأن مشاركة الأكراد أدى حتى الآن إلى تأجيل مؤتمر سوتشي أكثر من مرة، واللافت هنا هو أن إعلان التأجيل يأتي غالباً من أنقرة وليس من موسكو صاحبة الدعوة إلى عقده، وهو ما يجعل من مشاركة الأكراد عقدة سوتشي خلال القمة الروسية التركية الإيرانية، وبالتالي السؤال عن كيفية حل هذه العقدة.

الثابت أن روسيا وتركيا تشعران بلحظة ذهبية في علاقاتهما، فالأولى تشعر بأهمية استثمار التوتر في العلاقات الأميركية- التركية لإبعاد تركيا عن المنظومة الغربية وجلبها إلى حضن الدب الروسي أولا، وثانياً لأسباب اقتصادية لها علاقة بصفقات النفط والغاز والسلاح وبناء مفاعلات نووية، فيما تركيا المنزعجة جدا من الدعم الأميركي للأكراد في شمال شرق سورية تريد من وراء التقارب مع موسكو توجيه رسالة للغرب بشقيه الأميركي والأوروبي أن لديها خيارات أخرى، وأنها لن تقبل بتهديد أمنها القومي حتى لو اقتضى الأمر انقلاباً على خياراتها التقليدية. في الواقع، إذا كان الدعم الأميركي لأكراد سورية أصبح مساراً صدامياً مع تركيا، فإن الأمر مختلف بالنسبة إلى العامل الروسي، إذ تدرك تركيا ومنذ انقلابها على شعار إسقاط النظام صعوبة أي تحرك من دون أخذ هذا العامل بعين الاعتبار، فعلى الأقل جرت عملية «درع الفرات» في 24 آب (أغسطس) من العام الماضي في هذا الإطار، كما أن العملية التركية المستمرة في إدلب جاءت في إطار تفاهمات آستانة، ولعل هذا المسار يضع نفسه على طاولة سوتشي لحل العقدة الكردية، والسؤال هنا: هل سيكون ثمن موافقة تركيا على مشاركة الأكراد في سوتشي موافقة روسيا على عملية تركية في عفرين لضرب نفوذ حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب؟ أم أن «القيصر» الروسي يعرف كيف ينزع صولجان السلطان المرفوع في وجه الأكراد؟ ربما لدى «القيصر» الكثير من الحجج لإقناع «السلطان» بذلك، ولعل أهمها أن فك التحالف بين الأكراد والإدارة الأميركية يمر عبر احتضانهم ودفعهم إلى الحوار مع النظام الذي لم تعد أنقرة تطالب بإسقاطه، بل ربما يكون ثمن قفز روسيا فوق مشاركة الأكراد في سوتشي عبر إلغائه مقابل قبول تركيا التعايش مع النظام شرط تهميش الأكراد وربما التحرك معاً ضدهم على غرار ما حصل في كركوك عقب الاستفتاء الكردي.

 

المصدر: الحياة

التعليقات مغلقة.