إلى أين يسير كرد سوريا؟

84

 

 

*نواف خليل

أعتقد أن القيادة الكردية كانت ولا تزال تمتلك قراءة متقدمة للأوضاع والتطورات في سوريا بعيداً عما كان يسود من خطاب شعبوي مغرِق في الرغبوية، من قبيل إسقاط النظام في بضعة أشهر، وان كان موضوع إسقاط النظام خلال أسابيع أو أشهر أمنية القسم الأكبر من السوريين، لكن الرغبة شيء والوقائع على الأرض شيء آخر؛ فقد تبين بجلاء قصور الخطاب المعارض وخاصة ذلك العائد لشخصيات كانت في أغلبها جزءً من النظام، وافتقار المعارضة إلى منظّرين يتمتعون بقدرات تؤهلهم لاستشراف آفاق المستقبل من خلال قراءة متعمقة لاستراتيجيات الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية سواء في عهد الرئيس السابق باراك أوباما أو الحالي دونالد ترامب.

قد يكون أحد الأسئلة المطروحة في الآونة الأخيرة في ما خصّ دخول الكرد في علاقة تحالفٍ عسكريٍّ معلن مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب الداعشي متمحوراً حول ما ماهية هذه العلاقة مع الأمريكيين، والى أين يمكن أن تنتهي؟.

 ربما نجد الجواب فيما كتبه وزير الخارجية الأسبق ومستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر في كتابه الأخير(النظام العالمي: تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ)، حيث يقول: “عبّر السياسي البريطاني في القرن التاسع عشر اللورد بالمرستون عن هذا المبدأ قائلاً: نحن لا نتوفر على حلفاء دائمين كما لا نواجه أعداء أبديين. أما مصالحنا فهي دائمة وأبدية، وتلك المصالح هي التي يتعيّن علينا مراعاتها”.

هذه المقدمة في ما خصّ فكرة المصالح الدولية نجدها مترددة بغير لسان وفي أكثر من مناسبة، لم تعد اكتشافاً ولا تحتاج إلى الكثير من المعرفة، لكن الأهم كيف يمكن للدول الكبرى وضع سياساتها، وفق ما يقوله بالمرستون، بحسب آليات صارمة تتعلق بالتحليل الاستراتيجي ووضع الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى، دون أن تضطر إلى خسارة الحلفاء والأصدقاء أو دفع ثمن المتغيرات الكثيرة.

الغالب على الظن، أن القيادة الكردية في غرب كردستان تمكنت من أن تنأى بنفسها من الانجرار خلف التحليلات الرغبوية، وكذلك السير خلف سياسات الدول الإقليمية التي لم ترَ في السوريين المنتفضين في مواجهة نظام دموي سوى “أدوات” للوصول إلى السلطة والإجهاز على النظام الحالي، وخاصة تركيا ودوّل إقليمية أخرى وهو ما لم يعد بحاجة إلى تقديم الأدلة والبراهين.

أعتقد أن القيادة الكردية كانت ولا تزال تمتلك قراءة متقدمة للأوضاع والتطورات في سوريا بعيداً عما كان يسود من خطاب شعبوي مغرِق في الرغبوية، من قبيل إسقاط النظام في بضعة أشهر، وان كان موضوع إسقاط النظام خلال أسابيع أو أشهر أمنية القسم الأكبر من السوريين، لكن الرغبة شيء والوقائع على الأرض شيء آخر؛ فقد تبين بجلاء قصور الخطاب المعارض وخاصة ذلك العائد لشخصيات كانت في أغلبها جزءً من النظام، وافتقار المعارضة إلى منظّرين يتمتعون بقدرات تؤهلهم لاستشراف آفاق المستقبل من خلال قراءة متعمقة لاستراتيجيات الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية سواء في عهد الرئيس السابق باراك أوباما أو الحالي دونالد ترامب.

راهنت المعارضة السورية على التدخل العسكري وبذلت كل ما تملك لتحقيق ذلك سعيا للوصول للسلطة وليس تلبية لتحقيق طموحات السوريين الذين ثاروا ببطولة “هوميرية” على حد تعبير الروائي المعروف أمين معلوف، هذه المعارضة بشقيها السياسي والعسكري هي أحد أهم أسباب فشل الثورة وبقاء النظام الدموي في دمشق بكامل منظومته، هذه المعارضة التي باتت تردّد – خاصة – في الآونة الأخيرة: إن الدول تبحث عن مصالحها، وأن القوى الدولية فضلت تلك المصالح على معاناة الشعب السوري في ترديد ساذج لألف باء السياسة، فمتى تصرّفت دولة ما وفق مصالح شعب آخر، ومتى تحركت دولة ما ضد مصالحها ولصالح مصلحة شعب آخر؟.

يمكن إرجاء الأسباب التي مكنت الكرد من تجنب الأهوال التي حاقت بالبشر والحجر، في العديد من المناطق، إلى قدرة الجانب الكردي من قراءة عقيدة الرئيس الأمريكي الذي جاء بعد حروب منهكة خاضتها أمريكا في أفغانستان والعراق، وهو ما جعل الجانب الأمريكي يرفض كل المحاولات التركية لقطع العلاقات مع (وحدات حماية الشعب) أو وسم حزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهاب، بل على العكس من ذلك، فقد شهدت المنطقة الكردية زيارات متلاحقة  لمبعوث الرئيس الأمريكي بريت مكغورك ولاحقاً زيارات للجنرال روبرت جونز (نائب قائد التحالف الدولي) والسفير مايكل راتني  لترسيخ العلاقة المعلنة بين الجانبين الكردي وحلفائهم في قوات سوريا الديمقراطية ولاحقا مجلس سوريا الديمقراطية، يأتي كل ذلك بعد فشل الرهانات الأمريكية على العديد من الجماعات المسلحة السورية المعارضة.

ويمكن استجلاء شكل هذه العلاقة من خلال قراءة الوقائع المتمثلة بوقف الدعم عن غرفة ” موك ” وفي نفس الوقت توقيع الرئيس ترامب على تزويد وحدات حماية الشعب بالأسلحة الثقيلة بعدما تم تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، والذي مازال مستمراً لغاية اللحظة.

لا شك إن توثيق العلاقات مع تلك القوى وتعزيزها من خلال خلق المزيد من نقاط التلاقي، ليس على الصعيد العسكري فحسب بل السياسي كذلك، أمر بالغ الأهمية، دون نسيان عبارة اللورد البريطاني بالمرستون المفتاحية، إلى ذلك يحتاج الجانب الكردي تعزيز تواجده ليس في المحافل الدولية، فلم يعد الغرب يعني البيت الأبيض وبروكسل فحسب، بل يتجاوزه إلى حيث الجامعات والمؤسسات ووسائل الإعلام، يضاف إلى كل ذلك أن الأهم هو تعزيز تجربة الإدارة المشتركة بين الشعب الكردي وبقية مكونات روجآفا – شمال سوريا وتطوير العمل على الصعيد المؤسساتي من كافة النواحي، فالانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب ولاحقا قوات سوريا الديمقراطية  يجب أن تتحول مقدمة لأجل ترسيخ العمل المؤسسي والخدمي وقيم العيش المشترك بين جميع مكونات شمال سورية.

قصارى القول، بات من الضروري كردياً، تعزيز التجربة الديمقراطية وقيم التشارك في الداخل، وتحويل ذلك إلى علاقات واتصالات سياسية ودبلوماسية مع العالم الخارجي، من أجل إطلاع الجميع على هذه التجربة الواعدة من جهة، والسعي للحصول على الاعتراف والدعم السياسي المطلوب لترسيخ دعائم التجربة دولياً من جهة أخرى؛ ففي إطلالة على المشهد الحالي هناك ما يشي بأن الطرفين الأكثر تمكناً ونفوذاً، هما الآن الكرد وحلفاؤهم في الشمال السوري وهذا أمر يسترعي تناول الوضع الكردي الجديد بجدية واحترام لائقين، وحريٌّ التذكير هنا بأن الكرد والعرب والسريان في مناطق العيش المشترك بشمال سورية لم يسمحوا بعودة النظام الاستبدادي مهما كلّف الأمر، وقد يكون من الواقعية بمكان نزول المعارضة من برجها العاجي والبحث مع القوة الحقيقية في الشمال السوري عن مخارج حقيقية لوقف الجحيم السوري المديد.

*مدير المركز الكردي للدراسات

 

نشر هذا المقال في العدد /69/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/11/2017

التعليقات مغلقة.