ما يربحه الكرد في جبهات القتال يخسرونه على طاولة المفاوضات

73

عنوان المقالة  يعود للكاتب الأمريكي جوناثان راندل في كتابه المعنون أمة في شقاق حيث يقول “أن الكرد يكسبون الحرب مع خصومهم على الدوام إلا أنهم يخسرون ما كسبوه بسهولة على طاولة المفاوضات”.

 إلا أن آبو أوصمان صبري لا يتفق مع المذكور فيما ذهب إليه قائلاً:” بأن الكرد لم يدخلوا البازار السياسي، فليدخلوها ذات يوم ولنحكم بعد ذلك “

ربما استند السيد جوناثان على بعض الحالات التي انتهى فيها قادة الثورات الكردية غدراً حيث تم استدراجهم لمكان المفاوضات ليتم تصفيتهم غيلة ولعل الشهيد قاسملو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني -إيران  أقرب مثال لدينا في العصر الحديث والذي اغتيل على يد الاستخبارات الإيرانية في فيينا عاصمة النمسا في ١٣- تموز ١٩٨٩  حيث تم استهدافه مع صحبه في الكمين.

ما قاله آبو أوصمان هو الأقرب للصواب فأنا لم أجد من خلال تصفحي لكتب التاريخ التي تتحدث عن المسيرة الدامية للكرد وإشعالهم للثورة من الأخرى في العصر الحديث  في مواجهة الصفويين والعثمانين، ثم فيما بعد الحكومة التركية والعراقية والإيرانية ما يدل على أن واحدة من هذه الثورات قد حققت المنجز العسكري، وعندما حان وقت تثبيت المكتسبات أضاعها الثائر الكردي على الطاولة.

كل الثورات الكردية انتهت بشكل تراجيدي، قبل أن تحقق أهدافها، وغرق الكرد في دمائهم أثر كل هبّة وانتفاضة وثورة.

عوامل ذاتية وموضوعية أدت إلى الفشل، منها واقع توزع وطن الكرد بين عدة دول وتعقيدات هذا التقسيم ، وعدم تبلور الوعي القومي لدى شرائح واسعة، وقيادة الثورات من قبل رجالات دين وطرق صوفية وزعماء قبائل وعشائر وأمراء متناحرين فيما بينهم وغياب القائد الذي يجمع بيد من حديد كلمة الكرد على رأي واحد، إذ أنه وفي بداية كل حراك سرعان ما كان العدو يتسلل عبر الجبهات والمنافذ والصدوع  فيشتري ذمم البعض فيتنازع القادة فيما بينهم على الملك في منتصف الطريق.

أنا لا اتفق مع ما يتداوله العامة من القول حول إن الأوربيين ينتقمون لأنفسهم من أحفاد صلاح الدين الأيوبي للهزيمة التي لحقت بهم في حطين فتم تقسيم بلدهم بين خمس دول لكي لا تقوم لهم قائمة، الوقائع تفيد بأن قادتنا لم يكونوا بمستوى تحديات المرحلة وارتكبوا أخطاء استراتيجية، ولن نسرد هنا حكاية كل ثورة، أخطائنا تتكرر ولم نتّعظ ولم نعتبر بعد رغم النكسات والنكبات المتتالية فالتاريخ يعيد نفسه لدينا.

تغيّر العالم ولم نتغير، فالعلّة كامنة فينا، الرئيس لازال يدير الحزب بعقلية رجل القبيلة هو الآمر الناهي ويحدد المصير.  أعلنها الزعيم الراحل ملا مصطفى البرزاني على أثر توقيع اتفاقية الجزائر في ٦آذار ١٩٧٥ بين شاه إيران وصدام حسين  (لا ثورة كردية بعد اليوم) فانتهت الثورة، ترك المحاربون السلاح وهاموا على وجوههم أكثر من مائة الف مقاتل كانوا في الخنادق، تشرّد البعض في المنافي والوديان وآخرين اهترأت أجسادهم في المعتقلات والمجمعات السكنية.

هم ذاتهم بعد أكثر من نصف قرن نفس القادة، هي العوائل ذاتها، الصراع على المال والسلطة دفعتهم للقتال فيما بينهم والاستعانة بقوات العدو في الستينات وما تلاها من اصطفافات في الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمان سنوات وما لحق الكرد من مصائب جرائها، وحرب الأشقاء بين إمارة السليمانية وإمارة بهدينان على تقاسم مناطق النفوذ والكمارك والاستعانة بالجيش الإيراني والتركي والعراقي في  أعوام ١٩٩٤و١٩٩٥ وكسر عظم الشقيق وتهشيم جمجمته في ٣١آب ١٩٩٦، ويطول الحديث عن أسباب النهاية المأساوية للثورات في الأجزاء الأخرى.

الاستفتاء وحق تقرير المصير حقّ مشروع نصّت عليه العهود والمواثيق الدولية وشعبنا الكردي كغيره من شعوب الأرض له كل الحق في ذلك، لكن لم نكن نحتاج للكثير من التفكير لندرك بأن العديد من العقبات تعترض الاستفتاء داخليا وإقليميا، تركيا وإيران والعراق التي تتقاسم الوطن الكردي كشرت عن أنيابها وهدّدت بالاجتياح.  القوى الدولية الفاعلة قالت كلمتها، الولايات المتحدة الأمريكية ودوّل الاتحاد الأوربي، والعالمين الإسلامي والعربي لم يكن موقفهم إيجابيا، وحدهم حكام الإقليم المحاصر تجاهلوا المخاطر وغامروا بالمستقبل والمكتسبات التي تحققت بدماء آلاف الشهداء، وليتهم أعدّوا العدة للمواجهة العسكرية ففي الوقت الذي يعاني البيت الكردي تصدعا على المستوى السياسي والعسكري وتوزع البيشمركة بين قيادتين، وعطالة في مؤسسات الإقليم وأزمة اقتصادية خانقة  كان  الجيش العراقي مع الحشد الشيعي  يتقدم مزهواً بالانتصارات التي حققها بدعم إيراني على الدواعش السنة.

على ماذا راهن السيد البرزاني في إصراره على نبش عش الدبابير الآن، والحشد الشيعي في أوج قوته، ولماذا لم يتحرك ويعلن الاستفتاء عندما كان الدواعش يشكلون القوة الضاربة في الأنبار والرمادي وصلاح الدين والموصل والجيش العراقي في الحضيض، كيف قرأ الظروف الإقليمية والدولية، وهل هناك من أشار عليه بوجوب خطو هذه الخطوة – وأظنه كان مدركا للخلل  في ميزان القوة –  ولماذا الآن بعد أن سيطر الشيعة على معاقل السنة؟ أسئلة برسم الرئيس الذي اتخذ القرار.

بعض غلاة القوميين الترك والعرب والفرس يمنّون النفس بأن مصير روجآفا سيكون مشابها لما جرى في جنوب كردستان بعد الاستفتاء، والحقيقة بأن هذه المخاوف تنتاب شرائح واسعة من المجتمع الكردي وخشيتهم من تخلّي التحالف الدولي عن قوات سوريا الديمقراطية بعد الانتهاء من الدواعش، وترك روجآفا وشمال سوريا  لمصيرها حيث الأتراك والنظام مع مليشياته الشيعية ومن خلفهم الإيرانيين والروس والاتفاقات التي تعقد خلف الأبواب المغلقة بشأن إدلب ومناطق الشهباء ومحاصرة عفرين، ويتساءل البعض هل تضحي أمريكا بحليفتها الاستراتيجية تركيا الدولة العضو في حلف الناتو لصالح المشروع الذي يقوده الكرد. من المؤكد بأن الأمريكان يقدمون مصالحهم على مصلحة تركيا التي تتجه باتجاه أسلمة المجتمع والجيش وهو ما يشكل خطرا على المصالح الأمريكية والغربية ، ومصلحة واشنطن تكمن  البقاء في المنطقة لمواجهة الإرهاب الذي لن ينتهي بانتهاء الدواعش، وقد صرح بذلك قادة الولايات المتحدة الأمريكية، فالمناطق المحررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية تعدّ مناطق نفوذ لهم، والصراع على أشدّه بينهم وإيران وحليفتها روسيا، وأي انكفاء أمريكي في المنطقة سيفتح الباب أمام نجاح المشروع الإيراني الطائفي الذي يتمدّد كالسرطان، وبالتالي استفراد روسيا بالمنطقة، وهو ما لن تقبل به واشنطن كما إن قوات سوريا الديمقراطية في أوج القوة والعنفوان وبارعة في القتال، وتشكل اليوم رقماً صعبا في المعادلة السورية بعد النجاحات التي حققتها على الإرهابيين، وتملك قيادة واحدة،  ولا يظنن أحد بأن هناك من يستطيع إعطاء الأمر بالانسحاب وترك الجبهات دون قتال.

* قيادي في حركة المجتمع الديمقراطي (Tev-Dem)

نشرت هذه المقالة في العدد 68 من صحيفة Buyer تاريخ 1/11/2017

التعليقات مغلقة.