خانه شركاؤه ولن ينصفه التاريخ

43

فاروق يوسف

أحرج الأكراد حكومة بغداد حين أظهروا للعالم عجزها عن معالجة مشكلتهم وهم يقفون في لحظة فراق تاريخي ملوحين للعراق. ما كانت حكومة بغداد تتمنى أن يجرها الأكراد إلى ذلك الفخ المظلم. فهي حكومة مستضعفة من قبل صقور الشيعة الموالين لإيران. لذلك فإنها تعتبر انقضاض الأكراد عليها في هذه اللحظة بالذات نوعا من الخيانة.

 

ربما كانت تلك الحكومة تفضل أن يتم الانفصال الكردي عن طريق التراضي، لا عن طريق الفرض القهري من خلال الاستفتاء الشعبي. فتلك الحكومة بتركيبتها الحالية وبالنتائج المأساوية التي انتهى إليها العراق بسبب سياسات الحكومة التي سبقتها، لا تملك أن تواجه حدثا جللا مثل فرض الانفصال عن طريق الاستفتاء وهو ما يتطلب قوة مفقودة وعونا داخليا ليس باستطاعة الميليشيات أن تقدمه.

 

ما تطلبه تلك الميليشيات التي تسيطر على الشارع العراقي هو ثمن لا يقل عن اعتزال الحكومة لوظيفتها بطريقة سافرة، لتُضاف فضيحة جديدة إلى سلسلة الفضائح التي يتألف منها التاريخ السياسي في مرحلة ما بعد الاحتلال.

 

من حق الأكراد ألا يفكروا بالطريقة التي تفكر الحكومة من خلالها، فمستقبل تلك الحكومة لا يعنيهم بشيء بعد أن صار العراق كله بالنسبة لأكراد الاستفتاء شيئا من الماضي الذي لا يستحق الالتفات إليه إلا تحت شعار “لكي لا ننسى” وهو موقف يمكن تفهم أسبابه.

 

غير أن ما لا تفهم أسبابه أن يُترك حيدر العبادي وحيدا في عجمة رفضه لنتائج الاستفتاء، فيما تشهد أربيل وهي عاصمة الإقليم الكردي حضورا مكثفا لشركاء العبادي في العملية السياسية التي يُفترض أنه رأسها.

 

وهو ما يلقي الضوء مرة أخرى على حقيقة أن العملية السياسية في العراق قد أقيمت على أساس الشقاق، وليس على الاتفاق. فها هو جزء من تلك العملية يميل إلى إعلان تضامنه مع الانفصال بالطريقة التي اعتمدها مسعود البارزاني، وإن جاء ذلك الإعـلان عن طريق الـدعوة لعدم التصعيد.

 

بالتأكيد ليست الإطاحة بحكومة العبادي هي الهدف من وراء سلوك سياسيين عراقيين يعتبرون من أركان العملية السياسية كما هو حال رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس مجلس النواب.

 

أما الحديث عن السعي إلى التقريب بين وجهات النظر الذي يشكل دافعا لوجود أولئك السياسيين في كردستان، فليس له مسوغ في ظل انهيار خطوط التفاهمات الوطنية المشتركة بين دعاة الانفصال ودعاة التريث.

 

لقد حل مصطلح التريث محل مبدأ الحفاظ على وحدة التراب العراقي، وهو ما يعني أن الحكومة نفسها لا تملك من الخيال ما يؤهلها للامتناع عن الانزلاق إلى فخ الانفصال وهو أضعف الإيمان. بالنسبة للعبادي فإن ما فعله شركاؤه هو أسوأ مما فعله البارزاني.

 

لقد تركوه وحيدا فريسة لصقور الشيعة من حملة السلاح الموالين لإيران. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إخراج الرجل من لحظة الانتصار التاريخي على الإرهاب صفر اليدين.

 

لقد حلم رئيس الوزراء الذي يقف اليوم حائرا في مواجهة خصوم كثرت أعدادهم وتنوعت أهدافهم، بالإصلاح المعتدل وهو ما لن يجد له طريقا إلى الواقع بعد اليوم.

 

هذا في حالة نجاته من عاصفة الاستفتاء التي لا تزال في بداياتها ولا أحد في إمكانه التكهن بمآلاتها. من المؤكد أن حيدر العبادي هو الأسوأ حظا مقارنة بسواه من أفراد الطاقم السياسي الذي اختاره الأميركان لحكم العراق.

 

غير أن الرجل، الذي استطاع أن يدير الأزمة التي نتجت عن هزيمة الجيش العراقي واحتلال الموصل، يبدو اليوم عاجزا تماما عن العثور على أبجدية تعينه على التعامل مع أزمة الانفصال الكردي، وهي أزمة غير مسبوقة في التاريخ السياسي العراقي الحديث.

 

فلأول مرة يمزق الأكراد خارطة العراق، لا على الورق بل على الأرض. من حق العبادي أن يشعر بالغبن التاريخي. فبغض النظر عن الظروف سيُقال دائما إن في عهده قد تفكك العراق. وهو قول غير منصف من جهة الحقيقة غير أنه أمين على مستوى الواقع.

 

المصدر: العرب اللندنيّة

التعليقات مغلقة.