كردستان … «لا قادرة تفلّ ولا قادرة تبقى»

42

عبدالله ناصر العتيبي

 

92 في المئة‏ من المواطنين الكرد قالوا للزعيم مسعود بارزاني نحن خلفك، وهذا بالضبط ما كان يبحث عنه السياسي المخضرم ذو البدلة الكاكي على الدوام. و٩٢ في المئة‏ من الشعب الكردي قالوا نريد دولتنا المستقلة، وهذا ما كان يتخوف منه الساسة في بغداد.

 

النتيجة الأولى تفسر لنا لماذا لم يستمع بارزاني إلى كثير من الأصوات الصديقة محلياً وإقليمياً وعالمياً، التي دعته إلى تأجيل الاستفتاء. والنتيجة الثانية تفسر لنا لماذا سعت بغداد بكل قوة إلى إلغاء الاستفتاء على رغم علمها بصعوبة تكوين الدولة الكردية في الوقت الحالي.

 

بارزاني كان مصراً على إجراء الاستفتاء، في تقديري، لأربعة أسباب رئيسة: أولاً ليقول لمعارضيه في الداخل إنه يمتلك الشعبية الأكبر في الداخل. كيف يفعل ذلك؟ يطلب من مواطنيه أن يقولوا نعم لما يحلمون به، فتتحول هذه الـ«نعم» تلقائياً إلى رصيده بنسبة ٩٢ في المئة‏! وثانياً لأنه لن يقدر في المستقبل القريب على إدارة إقليمه في ظل بنادق قادة «البيشمركة» وجنودها، الذين فرغوا للتو منتصرين في معركة وجود! إن عودة الكيان المسلح إلى داخل الدولة منتصراً أقلق وشغل قلوب ساسة أربيل، الذين كانوا يساهمون بكلماتهم وخطبهم في الجهد الحربي من فوق الكراسي الوثيرة وتحت هواء التكييف البارد! لا بد إذاً لبارزاني من أن يخترع مخرجاً مناسباً يتجاوز به المطامع العسكرية التي تكون في أوجها -في كل زمن وفي أي مكان- بعد أي انتصار.. فكان الاستفتاء. وثالثاً لأنه على علم بأن أكراد سورية قريبون جداً من تحقيق حلمهم في حكم أنفسهم ذاتياً، فأراد بهذا الاستفتاء التقدم بالحلم الكردي العراقي خطوة إلى ما بعد الحكم الذاتي، ليبقى هو الزعيم الرمز في وجدان الشعب الكردي في العراق وسورية وتركيا وإيران. أما رابعاً، فلأنه في الواقع يريد بالفعل أن يزرع أول بذرة «قادرة على النمو» في أرض «صالحة بالفعل» لإنشاء الدولة الكردية الحلم. متى ذلك؟ بعد ٣٠ أو ٤٠ أو ٧٠ سنة! المهم هو أن بارزاني هو من وضع أول حرف في اسم الدولة.

 

في الجانب الآخر، عملت الحكومة العراقية المستحيل لإلغاء الاستفتاء، حاولت بضغوط داخلية شعبية واقتصادية، ولجأت إلى ضغوط خارجية تنتهك حتى سيادة العراق، إيقاف الحلم الكردي، إلا أن المحاولات جميعها ذهبت أدراج الرياح. لم تعد بغداد بعد اليوم قادرة -وهذا ما يؤلمها- على المراهنة على عراقية الأكراد ورفعها في وجه كل زعيم كردي يدعو إلى الانفصال، فهناك الآن حوالى ٩٢ في المئة‏ من الأكراد لا يؤيدون البقاء مواطنين تحت العلم العراقي. حيدر العبادي هو اليوم رئيس وزراء بغداد وكركوك وأربيل، لكنه في يوم غدا قريباً جداً سيصير هو أو خليفته رئيس وزراء في بغداد، ورئيس حكومة احتلال في أربيل!

انتهى الاستفتاء ولم يعترف به العالم، لكنه على الأقل صار نقطة تحول تاريخية في العلاقة بين شمال العراق الكردي وبقية مناطقه العربية. وستبدأ نتائجه بالظهور تباعاً على أرض الواقع، لكن لن يكون من بينها تأسيس دولة كردية في السنوات العشر المقبلة، لأسباب كثيرة يأتي على رأسها التردد الدولي الكبير في منح كردستان الاعتراف اللازم لإقامة الدولة.

 

لن ينفصل الكرد في الوقت الحالي، ولن ترقي بغداد الفيديرالية الحالية إلى كونفيديرالية بملامح بريطانية، لأن ذلك سيفتح باب الجحيم على العراق، إذ ستبدأ مكونات عربية وغير عربية بالمطالبة بتفعيل مبدأ المعاملة بالمثل، ما سيجعل من العراق مجموعة من الدويلات الطائفية والعرقية تحت علم واحد!

 

بارزاني الزعيم العظيم، تقدم خطوة إلى الأمام. وسواء أتّفقنا مع هذه الخطوة أم اختلفنا، فالمطلوب الآن من الحكومة المركزية في العراق التقدم خطوة أخرى إلى الأمام بخلق فيديرالية «محسّنة» تسحب من جديد كل من دخل في نسبة «الـ٩٢ في المئة» إلى العمق العراقي، وتقرأ عليهم مدونة ضمانات جديدة يكون منها إمكان توزير الكردي في الوزارات السيادية. على حكومة العبادي أن تذهب أولاً إلى أربيل قبل ذهابها إلى طهران وأنقرة بحثاً عن الحلول! وعليها أن تعترف بأن الاستفتاء صار أمراً واقعاً وجزءاً من التركيبة السياسية للعراق الحديث.

 

المصدر: الحياة

 

التعليقات مغلقة.