يجب الإسراع لتشكيل منصّة سياسية مستقلة للكرد في مباحثات حل الأزمة السورية

44

زيور العمر

انعقد في 21 من الشهر الماضي في الرياض اجتماع للمعارضة السورية بمنصاتها الثلاث ( الهيئة العليا ـ موسكوـ القاهرة ). و بالرغم من أنه لم يسفر في اختتام أعماله عن اتفاق وتوحيد للمواقف تمهيداً لتشكيل وفد موحد للمعارضة السورية لحضور اجتماع جنيف القادم، إلا أن الملفت في الاجتماع كان غياب أي ممثل كردي عن المجلس الوطني الكردي فيه، مما أثار مزيداً من القلق وعدم الثقة بين الأوساط الكردية، على أن هناك سعي متعمد وعن سابق إصرار من قبل أطر المعارضة السورية لتغييب الدور الكردي في رسم ملامح الحل السياسي المستقبلي، فضلاً عن التوجس الإقليمي المستمر من الحضور الكردي، من أن يؤدي إلى طرح وجهات نظر وإثارة قضايا قد تشكل تناقضاً مع مصالح رعاة ومموّلي فصائل المعارضة السورية وخطراً على أمنها.

ما جرى في الرياض من تغييب و تهميش للمكون الكردي لم تكن السابقة الأولى. فقد دأبت أطر المعارضة السورية، والقوى الإقليمية والدولية على تجاهل التمثيل الكردي الحقيقي والوازن، سواء في اجتماعات آستانة برعاية روسيا وتركية وإيران، أو في جولات التفاوض في جنيف. ورغم أن هذا المشهد التغييبي الإقصائي بات نهجاً وسلوكاً معتاداً، لجهة التعاطي مع التمثيل الكردي في استحقاقات البحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية، لبلوغ انتقال سياسي من نظام مركزي تعسفي ظالم إلى نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي، إلا أن مواقف القوى الكردية أيضاً بقيت تراوح مكانها حيال ما يُمارس بحقها من ظلم وإجحاف، وكأن المسألة، رغم أهميتها، لا تتطلب أي إعادة تقييم ومراجعة وتقليب في الأوراق، بما يسمح بتقوية الموقف الكردي وتعزيز موقعه، أكان في صفوف المعارضة، أو على طاولة التفاوض الدولية.

وإذا كان هناك من سبب يفسّر استهتار أطياف المعارضة السورية حيال التمثيل الكردي، وتراخي القوى الكردية عن الرد على محاولات تهميشها تنظيمياً، وتجاهل مطالبها سياسياً، كما عكس ذلك ورقة ديمستورا ورؤيته للحل السياسي وآلياته  فمردّه الخلافات الكردية البينية، وبخاصة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، التي استأثرت بالاهتمام الأكبر، وخلقت مع مرور الوقت اصطفافاً سياسياً وتنظيمياً، زاد من حدته وخطورته، إصرار كل طرف على تأكيد تبعيته لهذا الطرف الكردستاني أو ذاك، بعيداً عن تطلعات شعب غربي كردستان. فمن جهة، اهتمام حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) منصبّ أكثر على ترجمة أفكار وتصورات الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان، في (روجآفا)، من خلال نظام الكومينات والإدارة الذاتية الديمقراطية على شعوب غربي كردستان، وفرض رموز وأعلام العمال الكردستاني على المؤسسات الناشئة عنها، في محاولة منه، لتكرار تجربة الحركة التحررية الكردية في شمالي كردستان على كرد غربي كردستان، وذلك بهدف إنهاء الحياة الحزبية والتعددية السياسية المعبرة عنها من الأعلى، لصالح شكل آخر من التعددية من الأسفل، تحت غطاء ايديولوجي وسياسي ورمزي واحد خاص بمنظومة العمال الكردستاني، بغية تمكين المنظومة من فرض حالة يصبح فيها العمال الكردستاني حزب كل الكرد، مثلها مثل كل منظومة تسعى بوحي من طبيعتها الشمولية إلى خلق اجتماع سياسي بلون واحد. و كان حاصل هذا التوجه، أن منظومة العمال الكردستاني تمادى في ممارسة سياسة العصا الغليظة بحق المختلفين مع نهجها ومواقفها وقراراتها، وذلك عبر إجراءات النفي والاعتقال ضد المعارضين، وفرض قرارات من خلال مؤسسات تابعة لها، لم تنتج عن صناديق الاقتراع، ولم تقرها أغلبية شعبية بطريقة دستورية و قانونية.

بَيْدَ أن الطرف الأخر، المجلس الوطني الكردي، والذي يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية، جراء إصراره العيش في جملة من المتناقضات، هيمنت عليه منذ بدايات تأسيسه. وذلك عندما جعل من نفسه ممثلاً وحيداً للنهج القومي الكردي، دون أن تعكس مواقفه وتحركاته وممارساته رموزه أية مصلحة قومية كردية، بسبب النزعة الاتكالية التي اتسم بها سلوكه، سواء من خلال تسليم زمام أموره بالكامل لقيادة اقليم كردستان، لتقرر بدلا عنه ما هو صالح وما هو طالح له، أو الرهان على معجزة بقدرة قادر تنهي هيمنة الاتحاد الديمقراطي دون أن يكلف ذلك المجلس جهداً أو عملاً. ولما كان  لدى  قيادة الإقليم ما يكفي من المشاكل والأزمات، السياسية والاقتصادية، واستحقاقات أهم من الالتفاف إلى خصومات ومناكفات القوى الكردية في غربي كردستان، كان من الطبيعي أن يصبح تفعيل المجلس الوطني الكردي وتصحيح مساره وحل اشكالاته ومحاسبة قياداته على سوء الأداء والتقدير في أدنى سلم اهتمامها، مما أدى ذلك بالمجلس الوطني الكردي إلى مزيد من الضعف والترهل والتآكل. و بالرغم  من بعض الأصوات بدأت تتعالى هنا وهناك في داخل المجلس من مغبّة استمرار الوضع الحالي، لجهة بقاءه في الائتلاف الوطني السوري بما يخدم مصالح فئة صغيرة فيه، بعد أن تحول الائتلاف نفسه من ممثل للشعب السوري دولياً  إلى مجرد منصة معارضة، سعرها بسعر منصتي موسكو والقاهرة، إلا أنها، أي هذه الأصوات الغاضبة، لم تتحول إلى قوة ضغط قادرة على إعادة المجلس إلى مواقفه الأولية كما نصت عليها وثائقه وبرنامجه، بعد إجراء صيانة  جدية لهياكله.

كل ما ذُكر سالفاً، كان كافياً، كأسباب ومبررات، لدفع حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي لإعادة النظر في سياساتهما ومواقفهما، على أمل أن تفضي مقاربة جديدة لواقع الحركة السياسية الكردية إلى اتخاذ مواقف تنسجم مع تطلعات أغلبية الشعب الكردي، وإلا فإن بقاء كل طرف متقوقعاً في شرنقة مواقفه المسبقة، دون البحث عن تقاطعات ومشتركات، من شأنه أن يضعف الموقف الكردي أكثر. وإذا كان هناك من حلّ استعجالي يمكن اقتراحه في هذا الوقت فهو: أولا انسحاب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف الوطني اليوم قبل الغد، والعمل على تأسيس منصة سياسية مستقلة للكرد سواء بالاشتراك مع حزب الاتحاد الديمقراطي أو بدونه، وثانياً مطلوب من الطرفين الكرديين الأساسيين تخفيف حدة التوتر بينهما على أمل أن يساهم ذلك في إيجاد أرضية لإطلاق حوار وطني كردي طال انتظاره.

ناشط سياسي- ألمانيا

التعليقات مغلقة.