الروهينغا.. ماذا يحاك من وراء محنتهم

116

العرب اللندنيّة – buyerpress

تجار المآسي من أفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن يبذلون جهدهم لكي يستفيدوا من مأساة مسلمي الروهينغا حتى وإن دفعهم ذلك إلى تزييف الحقائق والتضليل عن الواقع والوقائع.

التضامن الإنساني مطلوب مع مسلمي الروهينغا الذين يتعرضون للتنكيل والذبح من طرف سلطات ميانمار بسبب معتقدهم الديني. النفخ في ما يحدث في ميانمار وعدم تحرك المجتمع الدولي بجميع الوسائل المتاحة، يوحيان بأن المسألة مدروسة ولها أبعاد جيوساسية كبيرة.

عندما تفتح خارطة جنوب شرق آسيا لاستقراء خطوطها وتداخل إحداثياتها الجغرافية والسياسية والدينية تجد أن المجال الذي تتحرك فيه مأساة الأقلية الإسلامية متوتر ويحتمل أكثر من قراءة.

فالقراءة الأولية تدفع إلى التساؤل حول هل هي محاولة لاستنساخ تجارب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع الإرهاب؟ فإغراق حدود بنغلاديش بالهاربين المسلمين من بورما يمكن فهمه في إطار تدابير التغييرات الديمغرافية والعرقية والعقدية التي ساهمت في تركيزها القوى العظمى ومن يمثلها من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا.

وعن الأدوار التي تحاول لعبها تركيا في المنطقة لا يمكن أن تكون بمعزل عما يخطط له حلف شمال الأطلسي، فأنقرة قالت إن الرئيس طيب رجب أردوغان تعهد بعرض قضية الروهينغا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واصفا ما تتعرض له أقلية الروهينغا بالإبادة الجماعية. وفي تحرك مثير، ويبدو متناسقا مع الدور التركي، أدان وزير خارجية قطر الهجمات على مسلمي الروهينغا بميانمار، مؤكدا ضرورة التزام حكومة ميانمار بالقانون الدولي في حماية المدنيين وتحقيق المصالحة.

تململ هاتين الدولتين سياسيا ولوجيستيا في هذه المرحلة بالذات يذكرنا بما حدث ويحدث في الشرق الأوسط، والتدخلات المشبوهة التي قادتها كل من قطر وتركيا في المنطقة بتحريكها للمجموعات الجهادية المتطرفة والتي خلفت تشظيات دموية طائفية وعرقية ستبقى تداعياتها مستمرة لعقود من الزمن.

ونرى أن دعوة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بنغلاديش لفتح حدودها لمسلمي الروهينغا مع تكفل تركيا بنفقاتهم، وأن قيمة المساعدات التي أرسلتها تركيا إلى الروهينغا بلغت حتى الآن أكثر من 70 مليون دولار، تصب كلها في الأدوار التي تحاول أنقرة لعبها في تلك المنطقة من خارطة جنوب شرق آسيا.

إن تواصل الأتراك الحثيث على خلفية مأساة الأقلية المسلمة في ولاية أراكان، مع مجلس الأمن الدولي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومع مسؤولي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، مع التآزر المادي القطري الواضح، يدخل في محاولة الأتراك المساهمة الفعلية كقوة إقليمية لإعادة تعريف العلاقات الدولية الجديدة وترتيب خرائط شرق آسيا.

فالحديث عن مطالبة تركيا بنغلاديش بفتح الحدود للمهجرين من الروهينغا يعد تصفية حسابات سياسية مع سلطات البلاد هناك، بحكم أن تركيا داعمة للإسلام السياسي، ففي مايو 2016 شهدت العديد من الولايات التركية، مظاهرات بترتيب من سلطات أنقرة للتنديد بإعدام زعيم الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، مطيع الرحمن نظامي، والمحكوم منذ العام 2014 بقرار من محكمة جرائم الحرب التي شكلتها السلطات الحاكمة في البلاد.

عكس ما تقوم به تركيا فإندونيسيا تعمل على فتح حوار سياسي واقتصادي وتنموي مع سلطات بورما لوضع حد للتوتر الطائفي، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها جاكرتا للاجئي الروهينغا الذين فروا من ميانمار إلى بنغلاديش منذ تصاعد أعمال العنف ضدهم في 25 أغسطس الماضي.

وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرسودي من ميانمار الاثنين 4 سبتمبر الجاري، “إننا نترقب بشدة الانتهاء من عملية بناء مستشفى في منطقة مراوك يو بإقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة جنوب غربي البلاد، لأن ذلك سيساعد على تحسين الخدمات الصحية لجميع أهالي إقليم أراكان”، ويساعد في “عملية المصالحة وتهدئة التوترات الطائفية في المنطقة”.

وفي هذا الإطار كلف رئيس إندونيسيا جوكو ويدودو، وزيرة خارجيته بالتحاور مع مستشارة الدولة في ميانمار (رئيسة الحكومة) أونغ سان سوتشي، لبحث “محنة” مسلمي الروهينغا بإقليم أراكان (راخين)، ووقف أعمال العنف ضدهم.

إندونيسيا لا تريد أن تكون عمليات العنف الممنهج ضد مسلمي الروهينغا مناسبة لتجار الدين وممولي الجماعات المسلحة لنقل الإرهاب إلى الجغرافيا الآسيوية. مقاربة إندونيسيا لحل مشكل الروهينغا مختلفة عن مقاربة تركيا ومن يواليها، فهي تود تفادي ما تعيشه بنغلاديش من خطر المجموعات الإرهابية، بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مطعما في العاصمة البنغالية دكا، في يوليو 2016، وراح ضحيته عشرون قتيلا.

بعدما أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فرار أكثر من 87 ألفا من الروهينغا من أراكان إلى بنغلاديش، نكون أمام قضية معقدة تطرح أسئلتها الحرجة على الجميع. فتدخل صناع العملية الإرهابية والمستفيدين منها سيزيد سخونة الوضع، وسيعطي مبررا لإعادة توزيع المجموعات الجهادية بدعوى الدفاع عن المسلمين.

فتجار المآسي من أفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن يبذلون جهدهم لكي يستفيدوا من مأساة مسلمي الروهينغا حتى وإن دفعهم ذلك إلى تزييف الحقائق والتضليل عن الواقع والوقائع.

محمد بن امحمد العلوي

كاتب مغربي

التعليقات مغلقة.