التحالف الوطني الكردي في سوريا يُنصف عرب الغمر

49

 

حسين بدر

هو محاولة الإشارة إلى أن المستقدمين الغمر عليهم أن يعلموا، بأنّهم ليسوا ولن يكونوا يوماً من الأيام من السكان الأصليين في الجزيرة، وعليه لهم حقوقهم في مساقط رؤوسهم وليس في ديار الأخرين، كما ليس لنا الحق في أراضيهم وأملاكهم في حوض الفرات”

 

كَثر السجال واللغط عن قصدٍ أو دونه في الآونة الأخيرة وبُعيد صدور المرسوم رقم /2/ تاريخ/28/7/2017 عن المجلس التأسيسي لفيدرالية روجأفا – شمال سوريا، وتحديد القانون الانتخابي للفيدرالية، حول مدى أحقية العرب الغمر(الوافدين – المستوطنين) في المشاركة بانتخابات مجالس الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، بعيداً عن الفيدرالية ومجالسها وقرارها الصادر بهذا الخصوص والقاضي بمنحهم حق الانتخاب والترشح للكومين ومجالس القرى والبلديات لحين تسويّة وضعهم في إطار حلٍّ سياسي دون سواه.

الملفت في الموضوع، أن البعض ممن يُجيد لغة الهمز والهمس، ويهويه الاصطياد في الماء العكر، يحاول صرعنته، وحصره بين طرفين بعينهم وكأنه شأنٌ خاص يخصّ طرف سياسي دون غيره، متناسياً أو متجاهلاً بأن حدث استقدام الأخوة العرب الغمر من حوض الفرات إلى منطقة الجزيرة وتوزيع أراضي مالكيها الأصليين عليهم، جاء في سياق مخطط شوفيني عنصري ممنهج من قبل القيادة القطرية  لحزب البعث العربي الاشتراكي وبقرارها المشؤوم رقم 521 تاريخ 24/6/ 1974 للبدء بتنفيذ الحزام العربي وفق الخطط المرسومة من قبلها، وذلك بهدف فصل أبناء الشعب الكردي في سوريا –لاسيما في الجزيرة – عن إخوتهم في كردستان العراق وتركيا، ووضع حاجز بشري غريب مصطنع بينهم، إذن الموضوع له تبعاته السياسية يخصّ جميع الكرد من أبناء الجزيرة، ويؤثر سلباً على مستقبل المنطقة سياسياً وديموغرافياً إلى حدِّ ما، ولا يمتّ بصلةٍ إلى أيّة نوازع حقدية أو كره أو محاولة إقصائهم من الحياة السياسية كما يحلو للبعض توصيفه، من خلال الإشارة إلى أن التحالف الوطني الكردي في سوريا (يُقصي) العرب الغمر من المشاركة في الحياة السياسية في فيدرالية روجأفا – شمال سوريا؛ وهنا نودّ الوقوف وبعجالة على كلمة أو مفردة (يُقصي )،عندما نقول بأن التحالف يُقصي  يأتي الفعل هنا بمعنى الإبعاد، أي أن التحالف (مُقصٍ) والعرب الغمر (مقصىً) ؟!.

ليس بخاف على أي عاقل من أبناء سوريا، وخاصة أبناء الشعب الكردي، موقف الحركة السياسية الكردية الرافض لهذا المشروع منذ الأيام الأولى من الكشف عنه من قبل السلطات السورية، وكان أوّل ردِّ أبناء المنطقة متمثلاً بالعرائض التي قدمها المتضررون للمسؤولين والمعنيين، يطالبونهم بإيقاف هذا المشروع العنصري، كما بادرت بعض الأحزاب الكردية إلى إصدار البيانات والمنشورات التي تُدين هذا المشروع الذي يضرُّ بالوحدة الوطنية وتدعو الى رفضه ومقاومته، لإدراكها الكامل بخلفياته وتداعياته السياسية، فكان رد السلطات عليهم آنذاك باللجوء إلى المزيد من الضغط والاضطهاد، وقد دفعت الحركة السياسية ثمن موقفها هذا عشرات السنوات من السجن لخيرة كوادرها وقيادييها أمثال: دهام ميرو – سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) والقياديين (كنعان عكيد، محمد نذير مصطفى، محمد أمين شيخ كلين، خالد مشايخ، عبد الله ملا علي، محمد فخري) ناهيك عن الاضطهاد والملاحقات والاعتقالات التعسفية، ولاتزال البرامج السياسية لمعظم الأحزاب السياسية الكردية وصفحات جرائدها الحزبية إلى يومنا هذا تؤكد على رفض هذا المشروع الاستيطاني، وإعادة الحق لأصحابه وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم طوال سنيين جريان هذا المشروع.

فإذا كان لنا موقف رافض، نحن في التحالف الوطني الكردي في سوريا وعلى مدى يومين متتاليين من النقاش والجدال من محاولة منح حق المشاركة السياسية لأبناء الأخوة الغمر في مجالس الفيدرالية في روجأفا – شمال سوريا، إلّا أنه لا يندرج تحت محاولة إقصائهم أو تهميشهم أو حرمانهم من ممارسة حقهم كمواطنين سوريين، وإنما يعبّر وبجلاء دون أية مواربة عن قناعاتنا الراسخة والرافضة لهم، كمشروع سياسي عنصري ممنهج خططت له السلطات السورية، متمثلة بحزب البعث العربي الاشتراكي على قدم وساق، ونفذته على حساب أبناء شعبنا، السكان الأصليين وأصحاب الأرض الحقيقيين. وإن كان البعض في قرارة نفسه يظنّ أنه يمدحنا بعبارة “التحالف يُقصي عرب الغمر” فإننا نعدُّها في عداد المذمة، لأن الإقصاء ليس من سلوكنا ولا يمتّ بصلة بمنظومتنا الأخلاقية كشعب كردي، ومن ذاق مرارة الإقصاء والتهميش طيلة عقود خلت ومازال، لا يمكن أن يتمثل ويتماهى مع سلوك ظالميه، أي لا يمكن أن يتحول من ضحية إلى جلاد، وإنما كلُّ ما في الأمر، هو محاولة الإشارة إلى أن المستقدمين الغمر عليهم أن يعلموا، بأنّهم ليسوا ولن يكونوا يوماً من الأيام من السكان الأصليين في الجزيرة، وعليه لهم حقوقهم في مساقط رؤوسهم وليس في ديار الأخرين، كما ليس لنا الحق في أراضيهم وأملاكهم في حوض الفرات.

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فكما أن بعض الوجهاء والملاكين الكرد والقوى السياسية (المحلية) غضّت الطرّف أو نأت بنفسها عن هذا المشروع العنصري في حينه، بعضها الآخر رحب به، لسنا بصدد ذكره، تحاول الآن بعض الأحزاب ولفيف من الشخصيات السياسية ترسيخ وشرعنة هذا المشروع، من خلال منح حق المساهمة والمشاركة السياسية لأبناء المغمورين في الجزيرة بمجالس الفيدرالية الديمقراطية لروجأفا – شمال سوريا، وبالتالي جعلهم في عداد السكان الأصليين وتسليط سكاكينهم على رقاب من سُلبت منهم أراضيهم وقراهم في إطار مشروع استيطاني ممنهج تفوح منه رائحة العنصرية.

 

نشرت هذه المقالة في العدد (66) من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/8/2017

 

التعليقات مغلقة.