وأخيراً إدرك الساسة الكرد، أن في الوحدة حياة

43

خالص مسوّر

 

منذ انهيار الامبراطورية الميدية وحتى اليوم لم تقم للكرد قائمة تذكر، حيث داوموا حياتهم تحت آباط ثلة من الشوفينيين وهمجية حكام المنطقة لا حقوق لهم ولا إرادة ولا إدارة، وكان الكرد يتنازعون ويفشلون وتذهب ريحهم، فيسيطر على مقدراتهم المحتلون والقامعون والطامعون.

وكان انعدام ثقافة قبول الآخر لدى الاحزاب والتنظيمات الكردية في كل اجزاء كردستان الاربعة، إن كان الآخر فقط هو من بني جلدتها، ، و إلا حينما يرضخ الآخر لفلسفتها ومصالحها الحزبيه والسياسيه، كان ذلك من ابرز العوامل التي ساعدت ولاتزال تساعد اعداء الكرد في تشتيت الصف الكردي وتحقيق مآربهم،  وحينما كان يأتي الكلام عن الوحدة أو التضامن كانت اسنان السياسيين تصطك، وتبدأ المراوغات والمراهنات والاتهامات المجانية بالعمالة وشطط الكلام والتهويل للإساءة إلى الآخر المختلف سياسياً، حتى يستقطبوا الاعضاء ويبقى هم وحدهم في الساحة السياسية.

ولم يكن السياسي الكردي في موقع المسؤولية يحبذ الوحدة أو التضامن الا ما ندر، بل ما كان يجري هو الشقاق والشقاق فقط، ولا يحب أن يشاركه أحد في مكاسبه وحتى المكاسب الشعبية كان يعتبرها مكاسبه الشخصية، ولكن بدأت الأمور تسير بغير ما يشتهيه الأمير، حين ادرك الجميع أخيرا أن ليس بالمصلحة وحدها يحيى الانسان، ولذلك نرى الساسة الكرد يدركون وفي ظروف الحرب والتهديدات والحصار أن شعبهم ومصالحهم في مفترق طرق، فإما التضامن وتحقيق الأماني والانتصار أو المجازر والفناء والدمار. ولهذا نرى اليوم سعيهم بخطوات حثيثة نحو الوحدة والتضامن، وأن لا سبيل إلى ذلك سوى عقد المؤتمر الوطني الكردستاني والذي ستعقد جلسته التشاورية غدا السبت في السليمانية.

وهو خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن يتبادر هنا إلى الذهن سؤال هام، وهو المؤتمر الوطني الكردستاني إلى أين؟ ذاك هو السؤال الملح الآن هل سيكون هذا المؤتمر كسابقاته اتفاق مع وقف التنفيذ؟ أم حلم كردي أثير في طريقه إلى التحقق؟. لكن ما نراه هو أن هذا المؤتمر أخذت مساحة واسعة من الحماس والجدية، ويبدو أن الغالبية إن لم نقل الكل من الأحزاب والتنظيمات الكردية لها الآن مصلحة في هذه الوحدة، ما بين باحث عن المكاسب الحزبية، وبين خائف من خطورة الأوضاع التي تحيط بهم وبشعبهم، والحيرة والقلق الذي ينتاب البعض الآخرمنهم، في مثل هذه الظروف الصعبة والاستثنائية ولسان حالهم يقول، إلى أي درب نحن سائرون وإلى أي بر نحن راسون يا ترى؟.

ومن المحزن الا يشارك بعض الاحزاب والتنظيمات السياسية حتى في الجلسة التشاورية للمؤتمر فهل وصلت العداوة بين الكرد إلى حد عدم الجلوس مع بعضهم؟ وهو ما يبين عدم مرونة العقل السياسي الكردي وهو مؤسف حقا. ولكن نقول هنا، بأن على كل من لم يحضر المؤتمر ومصمم على عدم حضوره بأنه يسير في الاتجاه المخالف من المسار لأن الشعب الكردي يريد الوحدة وهو عطش لها،  وإذا أردنا أن نحلل ميكانيزما الدعوات إلى المؤتمر الوطني نرى بأن هناك عوامل التوحيد الكردي قد نضجت وحان قطافها والكل صاحبها، وهذه العوامل هي:

1 – الخطر الخارجي الداهم، فهو خطر ليس كغيره من الأخطار، إنه خطر الإبادة والفناء، ومسيرة الموت ذبحاً على الهوية في حال عدم الوحدة، أو مسيرة الانتصار والبدء بتسجيل تاريخ انبعاث كردي جديد في حالة الوحدة.

2 – الفرصة التاريخية التي أتت بشكل مفاجىء، وعلى هذه التنظيمات والاحزاب استغلالها وعدم تفويت الفرصة التي قد لا تتكرر إلا بعد مئات السنين من العبودية والظلم؟

ولكن هناك باعتقادنا عقبات كأداء في طريق التضامن الكردي ستبرز للعيان والتي يجب الاستماتة في التغلب عليها، ومن هذه العقبات أوالمشاكل:

1 –  سياسة المحاور الخارجية الراسخة لدى الاحزاب الكردية نتيجة مصالحها المتضاربة، فهناك المحور الكردي – الإيراني، والمحور الكردي – التركي في المنطقة.

2 – صديق حزب عدو لآخر، مثلاً تركيا لها صداقات ومصالح كبرى مع الحزب الديمقراطي الكردستاني(PDK)، بينما حكام الأتراك هم أعداء لحزب العمال الكردستاني(PKK) في نفس الوقت. وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني(YNK) لها صداقات تاريخية مع إيران، بينما الديمقراطي الكردستاني لا يحبذ إيران كثيراً، وهذا مؤشر خطير وعقبة اقتصادية – سياسية في طريق المؤتمر الكردستاني، وتقلل من التفاؤل بانجازه حسب المأمول.

3 – ومن العقبات الأخرى الايديولوجية التي يدعو إليها (PKK) أي إيديولوجية المجتمع الطبيعي والأمة الديمقراطية والتي لا يستسيغها الطرف الآخر الذي يسير في ركب بدايات الاقطاعية – الرأسمالية.

4 – احزاب(ENKS) التي تريد تقاسم فيدرالية شمال سوريا مع (PYD) في روج آفا، وهو ما يفسره الأخير بأنه طلب على طبق من ذهب لا يمكن تنفيذه. بالإضافة إلى عقدة بيشمركة روج آفا ومخاطر الاقتتال الداخلي.

وهذه الأمور وغيرها تجعلنا نذهب إلى القول بتعقيد الموضوع، وأن نتفاءل بحذر بنجاح المؤتمر الكردستاني، أو حدوث تضامن فعلي على أرض الواقع، وحتى إن حدث أي اتفاق أوتوقيع على التضامن سنبقى نسأل أنفسنا، إلى كم سيدوم هذا التضامن أو الاتفاق يا ترى؟.  ولكن لنفترض جدلا وهذا ما نتمناه إن التضامن سوف ينجز بنجاح، ولكن ما هو شكل هذا التضامن إذا؟ فربما يكون بالمؤازرة الاعلامية، أو إرسال الجيوش إلى المناطق الساخنة للمؤازرة والدعم المتبادل كما حصل في كوبانى مثلاً، وكذلك فتح الحدود والقيود. وبدون هذه الكاريزمات الثلاث يبقى الاتفاق أو المؤتمر الوطني صرخة مؤلمة في واد عميق.

ولهذا فالمطلوب من المؤتمرين وضع مصلحة الشعب قبل أي شيء آخر، و تسجيل سبق تاريخي – سياسي، والاصغاء لصوت العقل، فالمؤتمرون يحملون طموحات وآمال شعبهم وانتصاره وازدهاره، وعليهم العمل على انجاح المؤتمر مهما كانت الارزاء والمصاعب، لأن الوحدة والتضامن سيقرران مصير شعوب المنطقة بأكملها في هذه المنعطفات الحرجة. ورغم الصعوبات التي تواجه المؤتمرين ألا أننا يجب أن نكون متفائلين ولو بحذر شديد. وسيكون حتما هناك تنازلات من كل الاطراف لكل الاطراف مهما كانت مؤلمة، ولربما يأتي المؤتمر بالأماني الحارة التي كان الشعب الكردي ينتظرها مئات السنين، مع الاعتقاد بأن للمؤتمر مرحلتين، مرحلة انجاز الاتفاق ثم مرحلة تفعيل الاتفاق، وهي المرحلة الأهم  والاصعب في تقديرنا والتي ربما لن يحصل وبالشكل المطلوب، وفي كل الاحوال ستبقى مصداقية المؤتمرين على المحك، والأيام القادمة كفيلة بإظهار ذلك.

……………………………………………………………..

التعليقات مغلقة.