تركيا و أزمة الخليج
جوان يوسف
ماذا لو فشلت الجهود في حلّ الأزمة الخليجية؟ هل تتوجه تركيا لتشكيل حلف إيراني قطري مدعوما من روسيا لمواجهة الحلف السعودي؟ وما تداعيات ذلك على المنطقة؟
تشكل الأزمة الخليجية الوجه المعلن من صراع خفيّ يعود لسنوات طويلة، بدأ مع صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا ومرّ بالكثير من المنعطفات الحادة, لكنه بقي مضمراً وغير معلن لأسباب متعددة، أهمها سياسة الإدارة الأمريكية في عهد أوباما التي أولت الأهمية للملف النووي الإيراني على حساب ملفات أخرى ذو أهمية إستراتيجية للسعودية، مما ضيّق الخناق على المناورة السعودية في المنطقة وأجبرتها للتعاون على مضض مع حكومة أردوغان في الملف السوري بالرغم من التباين الواضح في مواقفهما، وذلك لأهمية وخطورة التقدم الإيراني في الملف السوري واليمني.
قبلت السعودية ذلك وهي تدرك مخاطر السياسة التركية على أمنها في الخليج ومصر، ولكن أهمية مواجهة إيران في سوريا جعلتها تغضّ الطرف وتنتظر الفرصة.
سعودية التي تعزز نفوذها وقوتها العسكرية في المنطقة وأصبحت حجر زاوية في السياسة الأمريكية في المنطقة منذ اتفاق كوسيني عام 1945ضاقت بها الدنيا في عهد أوباما مما جعلها تقبل بالعنجهية التركية والقطرية في مصر وسوريا.
الخلاف التركي ـ السعودي قديم لكنه عاد إلى الواجهة مع استلام حكومة حزب العدالة والتنمية وصعود نجم أردوغان الطامح إلى تعزيز موقع تركيا اقتصاديا في المنطقة العربية بعد أن فشل بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي، ومحاولاته المستميتة بتبوء قيادة العالم الإسلامي السني والاستلاء على المرجعية السنية في العالم الإسلامي من خلال دعم الإخوان المسلمين في مصر وسوريا، أقلق السعودية التي بات مركزها الديني والمعنوي مهدداً وخاصة أن أردوغان سارع في دعم أخوان مصر في مواجهة مبارك والسيسي.
لكن النشوة عادت إلى السعودية بعد أن استلم ترامب الإدارة الأمريكية وأعلن عن برنامجه المناهض للغطرسة الإيرانية، و أردوغان فارس الإسلام قبل سنوات، أصبح أرنبا بعد إسقاط الطائرة الروسية وتخلي أمريكا عنه في معركة الرقة.
عند هذا الحد أصبحت تركيا في مواجهة يوم الحساب السعودي, لكن ليس بشكل جبهي وهذه من خصائص السياسة السعودية منذ تأسيس المملكة عام 1932 فهي لا تواجه خصومها جبهيا ولا تعمل منفردة، ولذلك الازمة مع قطر هي بمثابة القول الدارج: ” الكلام إلك يا جارة …”
لقد طفح الكيل بك وبالإخوان وبمؤتمر “شكرا تركيا “الذي عقد في ابريل الماضي برعاية تركية في استانبول ليقول فيها القرضاوي ” ومن الذي يستطيع أن يقاوم السلطان رجب طيب أردوغان، الذي أصبح يدافع عن الأمة باسم الإسلام والقرآن والسنّة والشريعة، وهو الذي يتحدث بالوقوف أمام الوجوه الطاغية، ليقول لهم لا؟ ” نعم هذه كانت رسالة واضحة وصريحة للسعودية إن السلطان بات يقود الأمة الإسلامية وليس خادم الحرمين.
حتى هنا ما تزال الأمور تحت السيطرة فالمدة الممنوحة لقطر لم تنتهِ بعد، وليس من السهل التكهن بما ستؤول إليه الأمور فيما يتعلق بالموقف التركي الداعم لقطر، لكن بات معروفا أن السياسية التركية لم تعد لها محددات واضحة باستثناء عدائها الصريح للكرد، فهي التي تنتقل من النقيض إلى النقيض في لمح البصر لدرجة أن المتابع لا يستطيع أن يصدق كيف طرد حماس بلمح البصر وكيف انقلب من داعم لجبهة النصرة وداعش إلى متحالف مع الروس في مواجهة حلفاء الأمس وكيف أن السلطان وافق على لقاء بوتين في” سوتشي” ذو الدلالة التاريخية المؤلمة لتركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية.
لكن إن استمرت تركيا بموقفها الداعم لقطر، تحت ضغط المال القطري أو المصالح المشتركة وسارت السعودية بموقفها حتى النهاية، هل ستبقى تركيا بموقفها الحالي وستنتقل إلى الحلف الذي يضم إيران وروسيا، الداعمين الأساسيين للنظام الأسدي، الذي يعني قلب كل المنظومة السياسية التركية، وبالتأكيد سيتفرع عنها قطع صلاتها بالمعارضة السورية وخاصة إخوانها، وهذا هو المرجح أن يتم تدجينهم نهائيا ليذهبوا إلى الأسد صاغرين كما ذهب هو إلى بوتين معتذرا صاغرا.
ثانيا أن تخلت تركيا عن قطر فهذا يعني إنها ستفقد ما تبقى من أوراق لعبتها في سوريا وستصبح في المقاعد الخلفية من اللعبة القذرة التي مارستها في سوريا، بل أنها قد تتعرض للمسائلة غداً بنفس تهم دعم الإرهاب بسبب استضافتها للإخوان المسلمين، وتمويلها وتسليحها للجماعات المتطرفة في سوريا، وتدخلها في العراق، وهو نفس الدور القطري في سوريا والعراق وليبيا.
يضاف إلى تعقيدات الموقف التركي مسألتين هامتين الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق في 25سيبتمر المقبل والتي أعلنت الإمارات والسعودية عن موقفهما الداعم له، وهذا ما يشكل تحدّياً إضافيا للرفض التركي والإيراني على حد سواء.
التحدّي الآخر ظهور بوادر دعم سعودي لقوات سوريا الديمقراطية في معركة تحرير الرقة، الرقة التي ستبقى علامة مميزة في فشل السياسة التركية في المنطقة.
نشرت هذه المقالة في العدد (46) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 1/7/2017
التعليقات مغلقة.