الحلم الكردي في سوريا يتحقق رويداً رويداً
أحمد موسى
بدأت قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من عدة مكونات عربية كردية مسيحية وحتى تركمانية، الزحف تجاه الرقة بعدما أن طوقتها لأشهر عدة وحررت غالبية القرى المتاخمة لها، وقد دخلت المدينة الآن بغية تحريرها من التنظيم الإرهابي ” داعش ” الذي استولى على مدينة الرقة خلال ساعات. علماً أن النظام انسحب منها دونما مقاومة أو مواجهة تذكر بينه وبين التنظيم قبل ثلاثة أعوام.
معركة تحرير الرقة لن تكون سهلة كباقي المعارك التي خاضتها وحدات حماية الشعب، وستكون مصيرية وطويلة ربما لن تكون أقصر من معركة الموصل مدة، لعدة نقاط مهمة أولها أن الرقة كبيرة ويعيش فيها أكثر من مليون نسمة، وكذلك فيها أكثر من مائة ألف بيت، قدم نصف سكانها الولاء لهذا التنظيم وبايعه، إضافة إلى أن قسماً كبيراً من المستفيدين مادياً قد انحازوا لهم ولربما سيقاومون أي تحرير بشراسة حفاظاً على ثروتهم الضخمة.
واهمٌ من يعتقد أن عملية التحرير ستكون نزهة، بل ستدمر الرقة كما حال مدينة كوباني الكردية وحلب، وأيضاً الموصل، ناهيك أن هذا التنظيم الذي اختبره الجميع يستطيع أن يفخخ حتى علب ” السردين ” وبالتالي ستفخخ ربع البيوت وتفجر العربات وسيفجر قواته أنفسهم كانتحاريين. فلن يكون سهلاً التنقل في شوارعها أثناء اقتحام المدينة.
والسؤال المهم ماذا لو قامت قوات سوريا الديمقراطية بالمهمة لوحدها. رغم أنهم خبروا المعارك وبات لهم خبرة جيدة مع التنظيم الإرهابي الذي لا يخفي مواهبه في المفاجآت كما يحدث الآن في الموصل ويعيقون تحريرها.
أمام هذه القوات التي معظمها هي من الــ YPG قوات حماية الشعب الكردية أن تفتش عن حلفاء أقوياء على الأرض لهم وفي السماء التي تساعدهم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية. والتفتيش عن حلحلة الوضع مع تركيا التي ترى هذه القوات جزءاً من منظومة حزب العمال الكردستاني المصنفة في قائمة الإرهاب وتريد أن تثبت للأمريكان هذه النظرية كي توقف عنهم الدعم المباشر، ولم تنجح حتى اللحظة في زجّ هذه القوات في اللائحة السوداء عند الأمريكان. عليها التمعن والتفكير بإعادة العلاقات مع تركيا وفتح ممرّ السلام الذي رسمه وأعلنه القائد عبد الله أوجلان كي تكسب الوقت وتكسب الهدنة وكي لا تفتح تركيا على هذه القوات جبهات متعددة تشتتها هنا وهناك وتعثّر أمامها عملية تحرير الرقة التي بمفردها لن تستطيع.
الخيار الاستراتيجي السياسي والعسكري يبقى عند حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يستطيع كسر الفتور مع الاقليم الكردي وفتح صفحة توافقات واتفاقات جديدة معه وتبداً بإطلاق سراح السجناء السياسيين الكرد المحسوبون على الرئيس مسعود البارزاني وعقد اتفاق عسكري بينهم وبين البيشمركة لتحرير هذه المدينة معاً وبالتالي لكسب ثقة الأمريكان أكثر تجاههم كون الأخيرة باتت تثق بالكرد وقوتهم العسكرية إلى أبعد الحدود. وستفرض هذه العملية المشتركة في التحرير للمدينة أن تضمها إلى خريطة الفيدرالية التي يسعى لها هذا الحزب وتوسيع رقعتها الجغرافية. وأي اتفاق بين حزب الاتحاد الديمقراطي والاقليم سيكون مباركاً من قوات التحالف وبالتالي سيصعب تفكيكها من قبل الأتراك ولربما سيدعمونها أيضاً وعلى مضض تصبح القوات الكردية المشتركة جزءاً هاماً في عسكر التحالف الدولي ضد الإرهاب.
من جانب آخر نجد أن الرئيس مسعود البارزاني حدد موعداً نهائياً للاستفتاء والذي اتفق عليه الحزبين الرئيسيين في أواخر الشهر التاسع ويبدو أن الاقليم متجه نحو الكمال ( الدولة ) فتحرير الرقة وليتها حصلت بيد قوات كردية مشتركة من الجانبين الــ YBG والبيشمركه كما حصل في مدينة كوباني ومنعوها من السقوط وحرروها كان هو الافضل ومقدمة لعلاقة كردية سيكون التوتر بعيداً عن سماءها وبداية جديدة. ورغم الذي لم يحصل ما يتمناه المراقب الكردي ألا أن الحلم الكردي هنا في سوريا بدأ بالتحقق رويداً رويداً رغم الصعوبات والكوارث التي حلت بالشعب الكردي.
في السياق ذاته ساسة الكرد اليوم بحاجة ماسة إلى اتفاق جدي وجاد لاستمالة الغرب والأمريكان الذين بدورهم يرون من الشعب الكردي حليفاً استراتيجياً لهم ويرون أن القيم العديدة مشتركة فيما بينهم وقد صرحوا بها مرات عدة، فمن أهمها العلمانية الكردية والاخلاص مع الحلفاء وبالتالي المحافظة على المصالح الغربية والأمريكية في المنطقة الكردية على الأقل. وتوحد القوى الكردية تعني أن بداية الحزام الكردستاني إلى التشكل. ويبقى السؤال الذي يطرحه الكردي على نفسه: ألم يحن موعد التقارب السياسي، فالشعب الكردي واحد لم تفرقه الاحزاب السياسية، لكن لا ننكر أن كربون السياسة أفسدت سماء العلاقة .
نشرت هذه المقالة في العدد (46) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 1/7/2017
التعليقات مغلقة.