ماذا فعل الربيع العربي بنا؟

49

عزمي عاشور

هل نحن، كمجتمعات عربية، أصبحنا مختلفين عن الحالة التي كنا عليها قبل ثورات الربيع العربي؟ وهل وضعنا تحوّل من الأفضل إلى الأسوأ؟ نعم، لم نعد مثلما كنا في السابق، فنحن كمجتمعات ودول وبشر أصبحنا على غير الحالة التي كنا عليها، إن الانفجار الذي طاول تأثيره الجميع لم يستثن أحداً، فأصبحت بيننا دول ذابت حدودها.

الكل يحاول أن يفرض ما عنده من معتقد، فلا قيم إنسانية جامعة تمنع الوحشية في القتل ولا تمنع الاحتلال وزرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد. المهم في النهاية أن يرقص الأقوى على جسد الآخر، ويظهر نفوذه المسنود بالمال والسلاح أو بالجهل الديني.

ما حدث في مصر مثلاً يدعو إلى التأمل، فلم تعد الدوغما أو الأيديولوجيا مقتصرة على الإسلام السياسي، وإنما طاولت شباب الثورة أنفسهم، فأصبحوا أكثر راديكالية من الإسلاميين، يتمسكون حتى العبادة بلحظة الثورة الأولى وكأن ما جاء بعدها ليست له علاقة بها، ويجهلون أن الثورة مجموعة من الموجات لا تتوقف عند لحظة البداية. كان هناك هبتان ثوريتان في مصر، غطى جزء من الرأي العام في الخارج وبتأثيره في الداخل على الموجة الثانية، على رغم أنها في سماتها وخصائصها كانت تعكس ثورة حقيقية لانتفاضة الطبقة الوسطى ضد الحكم الديني، فضلاً عن أن كم البشر الذين خرجوا إلى الشوارع فاق الموجة الأولى كثيراً. وعلى رغم ذلك انخدع جزء من النشطاء بأجندة دولية يتم فيها توظيف مفهوم الديموقراطية وحقوق الإنسان في تحقيق أهداف سياسية تحاول أن تغطي على التطورات على الأرض، على رغم أنها جاءت بنظام حكم منتخب، وتفاعلاتها لا تزال مستمرة.

هذا التسطيح طاول فروعاً كثيرة في مجتمعاتنا، فأصبحنا ننظر إلى كل إبداع نظرة مؤدلجة، والى كل خطوة إيجابية بنظرة سلبية. فبدلاً من أن نتحدث عن مشاريع تفتتح، ومساكن تؤوي «الغلابة» بتنا نركز على كلمة الحاكم وخطابه بالعامية ومحاولة تأويل ما جاء فيها لنخرج من صلب الموضوع إلى قضايا فرعية. الملمح الأخير هو أننا لم نعد مثلما كنا؛ لجهة الاستقرار الداخلي والعلاقات الخارجية الطيبة. أصبح جزء منا في طريقه إلى الانهيار، ناهيك عن فساد كثير من العلاقات بسبب الثورات. هل مجتمعاتنا كانت مريضة وما حدث هو أنها كشفت عن المرض بعدما استفحل خطره، أم أننا لم نعد نستطيع التمييز بين الوطن ككيان مقدس والثورة على الحاكم.

فهل تعود هذه المجتمعات أم أنها ستمر بمرحلة يستنفد فيها كل طرف قوته وأيديولوجيته حتى لو كلف ذلك قتل الملايين، ثم يتضح أنه لا سبيل إلا في العيش في كيان يستظل فيه الجميع مهما كانت الديانات والمعتقداتِ؟

قد يطول انتظار تحقق ذلك لأسباب كثيرة، من بينها توغل التدين الراديكالي وغياب المؤسسات وحكم القانون، وانتشار الجهل، وغياب قيم التسامح التي تقبل بالاختلاف بين الجماعات والأفراد. نعم، الصورة ستظل مظلمة إلا إذا تم البناء على ما هو موجود من مؤسسات ونشر قيم التسامح والبعد من مالكي الحقيقة المطلقة.

التعليقات مغلقة.