اجتراح هويّة إعلامية مغايرة
عباس علي موسى
هل ثمة إعلاما حياديا وآخر تابعا؟! أم أنّ هناك إعلاما حزبيا وآخر غير حزبي؟!
كرديا يبدو أنّ الحديث عن الإعلام يدخل في خانة التساؤل الثاني، فهناك إعلام حزبي، وإعلام غير حزبي؛ لكن أيضا هناك إعلام موالٍ لهذا الإعلام، ويبدو أنّه أحيانا يكون مموّها أو مرتديا لبوسا آخر، ومع أنّ وجود إعلام موالٍ للأحزاب السياسية أو متناغمة معه هو حقيقة إلا أنّ الأوساط الثقافية وأوساط الإعلاميين تغالي أحيانا في هذا الوصف بل وتستخدمه في الإنقاص من دور الوسائل الإعلامية غير الحزبية.
إنّ وسائل الإعلام الكرديّة برزت بعد الثورة والأحداث السورية 2011 كحركة مرافقة للتغييرات الكبيرة الحاصلة في سوريا برّمتها، وقد تنوعت هذه الوسائل ما بين المرئي والمسموع والمكتوب، وحتى وصلت إلى المدونات الإلكترونية، وبطبيعة الحال تسابقت الأحزاب السياسية أيضا لتفعيل إعلامها، عبر استصدار صحفها الصادرة عن أحزابها كناطقة عنها، وبطبيعة الحال كان الإعلام غير الحزبي لما يزل يرسم خطوطه الأساسية ليبرز هويته الخاصة، إلا أنّ الأحداث المختلفة وتداخلها وعلاقة هذه الأحداث بالسياسة بشكل مباشر أو غير مباشر وضع الإعلام غير الحزبي أمام امتحان التوازن في تناول الأحداث دون الانزياح في اتجاه التبرير للأطراف السياسية.
الحقيقة الواضحة أنّ الإعلام الكردي لم يستطع أن ينجح في الامتحان وتلكأ في خطواته وانزاح وانحاز أحيانا، وحاول أن يكون متزنا في حين آخر، والسبب في ذلك يعود بالطبع إلى عدم نضج التجربة الإعلامية لهذه الوسائل بالدرجة الأولى، وعدم اكتمال امتحان الحالة المؤسساتية، فليس هناك حالة مؤسساتية بالمعنى الحرفي يمكن أن ينطبق على الوسائل الإعلامية كرديا، لذا نجد أنّ تأثير الشخصية النافذة في هذه الوسائل تخرج إلى السطح دوما وتؤثر حتى في توجّه الوسيلة الإعلامية، وإن حصل وإن كان ذا خلفية سياسية حزبية أو شبهها فإنّها تزيح بالوسيلة الإعلامية برمتها باتجاه الإعلام الخادم للأحزاب السياسية.
الموضوعية والمهنية كمدخل لصناعة إعلامية متوازنة
إنّ المهنية الصحفية والتي تعتمد على الموضوعية في تناول الأحداث بعيدا عن خلفياتها السياسية تعدّ امتحانا مهما للوسيلة الإعلامية، لكنّها بذات الوقت ليست صعبة التحقيق والمنال، فالالتزام الأخلاقي بمواثيق الشرف الصحفية من قبل الوسائل الإعلامية وتدريب الصحفيين القائمين في هذه الوسائل الإعلامية على القواعد الأساسية للمهنة الإعلامية يمكن أن يكون الخطوة الأهم في صناعة إعلام متوازن ومهني، وباستطاعته مقاربة الأحداث المختلفة دون الدخول في مطبّ الدعاية السياسية لأطراف سياسية بعينها.
كردياً فإنّ الإعلام له دور كبير في تأجيج الصراعات المبنية على خلفيات حزبية وسياسية، بل إنّ منشأ هذه الصراعات إعلامي قبل أن يكون اجتماعيا أو أي شيء آخر، ويساهم في خلق شرخ وصدع في الأنساق الاجتماعية، لذا فباستطاعته التأجيج في الصراع أو الحدّ منه تبعا لنبرته حيال القضايا المختلفة، لذا والحال كذلك فإنّ دور الإعلام غير الحزبي يبرز كقوى منحازة للمجتمع وبناءه من خلال تبنّي قيم التوازن والموضوعية في تناول مختلف الأحداث لتبرز حالة خارجة من ربقة السياسة.
من خلال التجربة القصيرة للإعلام الكردي في هذه المرحلة يبدو أنّ المؤسسات الإعلامية لم تنجح بعد في خلق هوية خاصة بها، ويبدو أنّه أمر مرهون بالتجربة والخبرة التراكمية، فالحديث عن ستة سنوات أو أقلّ من الصعب أن ينتج هوية وسلوكا صحفيا وإعلاميا ذات تأثير اجتماعيا.
يبقى الحديث إذن عن البناء، فثمة ما تستطيع هذه المؤسسات والوسائل الإعلامية لتبني عليه فتخطو على أساسه خطوات في اتجاه إعلام ذي شخصية مستقلة ومسؤولة تتبنى المصلحة المجتمعية بعيدا عن السياسة والدخول في مطبّها، فللأحزاب السياسية وسائلها الإعلامية التي تروّج لها، فمن الجدير إذن الالتفات نحو بناء هوية للشخصية الصحفية والإعلامية أفرادا ومؤسسات للخلوص إلى نتيجة يمكن البناء عليها ليلتفت إليها المجتمع.
نشرت هذه المادة في العدد 62 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 1/6/2017
التعليقات مغلقة.