استقالة أصحاب المؤامرة
الدكتورة هالة القضماني
وتجلت ملامح هذا الانطواء الغربي الجديد منذ بداية الأزمة السورية حيث تحولت صعوبة اتخاذ موقف إلى سياسة الامتناع عن اتخاذ القرار. المثل الأفضح والذي شكل منعطفا كارثيا للوضع السوري جاء في الصيف الماضي عندما تراجع الرئيس الأمريكي أوباما عن الخط الأحمر الذي رسمه بعد استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية في الغوطة. منذ ذلك اليوم استراح المسؤولون الأوروبيون من الشعور القليل بالمسؤولية أو الذنب تجاه مأساة الشعب السوري وألقوا اللوم على أمريكا ورئيسها مقرين بضعفهم وعجزهم وغياب استقلالية القرار الأوروبي أو متحججين به. فكيف نفهم أن يأتي مسؤولون كبار في الوزارات وغيرها من مراكز القرار السياسي الفرنسي مثلا ليسألوا معارضين ومثقفين وناشطين سوريين “ماذا نفعل؟” يكون هذا السؤال صادق وبريء وحريص على انقاذ الوضع ولكنه تعبير لا يقل صدقا عن الارتباك العميق والحيرة الكاملة لدى المسؤولين الغربيين عن إمكانية أي تحرك أو فعل، من طرف دولة معينة أو مجموعة أوروبية أو منظومة دولية. وقد علق استاذ العلوم السياسية الفرنسي جان بيار فيليو الذي ينفرد في مواقفه والتزامه بدعم الثورة السورية في محاضرة مؤخرا : “يقولون أن بوتين عاد إلى الحرب الباردة…إلا أنها حرب يخوضها وحده، فليس هناك محارب أمامه” . من كان يتصور منذ بضعة سنوات أن يسرع وزراء كبار الدول الغربية ومسؤولين المجتمع الدولي إلى الاجتماع في جنيف حول القضية السورية بالأمس القريب أو كمنادين لوقف اطلاق النار في غزة بالأمس الأقرب دون الخروج بأية نتيجة؟ لقد باتت القمم العالمية مجرد صور متلفزة ومهرجانات خطابية شبيهة بالقمم العربية أو الافريقية.
أما عن أسباب تراجع الإرادة والنفوذ الغربيين في التعامل مع الأزمات السورية والعراقية والفلسطينية وضياع كل المنطقة بين أيدي إرهابيين إسلاميين وأنظمة عربية مجرمة ودولة يهودية مطلقة العنان، فهي عديدة ومعقدة ، ولن ندخل في تفاصيلها سوى للتركيز علىأأ أن المصالح الغربية في بلادنا تغيرت وربما انتهت بنظر صناع القرار الجدد وعلى رأسهم رئيس الولايات المتحدة. إن شرطي العالم الذي عانينا من أفعاله منذ أجيال وشكينا من دوره ومؤامراته عبر تاريخنا الحديث قد استقال من مهامه. ربما هذه هي المؤامرة الأكبر التي لا بد أن نقر بها أي غياب المؤامرة الخارجية، مل يعني نهاية سلبيتنا واللوم على غيرنا وبداية مسؤوليتنا، أي بداية طريق عصيب.
التعليقات مغلقة.