كتاب عالميون: نحن نقرأ إذن نحن مازلنا أحياء
القارئ عنصر ضروري بل هو محوري في عملية الكتابة الإبداعية، لا يتوقف تأثيره في لحظة ما بعد الكتابة بل قد يمتد إلى لحظات سابقة لها. لكن كثيرة هي الأسئلة التي نطرحها في ما يخص القارئ، الذي يقف خارج عملية الكتابة وداخلها في آن واحد. فهل هناك قراء مثاليون وآخرون لا؟ هل هناك كتاب جيد وأخر سيء؟ وهل القراءة نشاط المترفين فقط؟
كيف يصف تسعة كتّاب عالميون علاقتهم بالقراءة، فيرجينيا وولف، رديارد كيبلنغ، هنري ميللر، هيرمان هيسه، فلاديمير نابوكوف، ماريو بارغاس يوسا، جوزيف برودسكي، نيل جايمان، ألبرتو مانغويل.
هذا ما يتطرق إليه كتاب “داخل المكتبة.. خارج العالم”، ترجمة السعودي راضي النماصي. حيث يقول “الكتاب عبارة عن مشروع للقراءة، وكان أن أصدرته في محاولة للبحث عن قراء مثاليين يملؤون العالم حكمة ويقينا بنظرتهم المختلفة ووعيهم المتزايد تجاه النصوص المائلة أمامهم، ومنها إلى تأليف وكتابة متميزين ينبعان من قراءة مميزة”، ويضيف “الكتاب ليس عن الكتب والمكتبات بل عن القراءة كفعل وممارسة وكيف ينظر إليها تسعة من كبار المؤلفين العالميين الذين أثروا العالم بنتاجهم المتميز”.
ويوضح النماصي أن المعايير التي استخدمها في اختيار مادة الكتاب تعتمد على شهرة المؤلف، وعمق المحتوى، وكون النص مترجما إلى اللغة العربية للمرة الأولى.
سر اللعبة
يبدأ الكتاب بمقال “كيف نقرأ كتابا كما يجب؟” للروائية الإنكليزية فيرجينيا وولف (1882-1942)، التي ترى أن عملية القراءة الأولى، هي استقبال للمشاعر بأقصى فهم لدينا، ليست سوى نصف عملية القراءة، يجب ن تكتمل تلك العملية إن أردنا أن نحظى بكامل المتعة من كتاب ما. تدعو صاحبة “السيدة دالاواي”، إلى اعتبار بعض المؤلفين كالمجرمين؟ ألا يحق لنا أن نعتبر أولئك الذين يكتبون كتبا سيئة، كتبا تضيع وقتنا وتعاطفنا، كتبا مسروقة، كتبا خاطئة؟
الكاتب الإنكليزي رديارد كيبلنغ (1865-1936) يرفض في مقاله “منافع القراءة”، الفكرة التي تقول إن القراءة عمل مقدس. ويعود السبب برأيه إلى “وجود شخص مولع بالقراءة فقط دون سبب يثبت أحد أمرين: إما كسله، أو أنه مجهد من كد المعيشة، ويود الراحة بصحبة كتاب ما. ربما يكون فضوليا ويود أن يتعرف على الحياة قبل خوض غمارها، لذلك يندمج في أي كتاب تقع يداه عليه لكي يفهم ما يحيره أو يرعبه أو يثير اهتمامه”.
ويشير صاحب كتاب “الكتب في حياتي” الروائي الأميركي هنري ميللر (1891-1980)، في مقاله “أن أقرأ ولا أقرأ”، إلى أن رغبته القرائية بدأت تصبح أقل بعد ستين عاما من القراءة في جميع الاتجاهات.
في هذا المقال لا يتفق ميللر مع رديارد كيبلنغ، الذي يعتبر أن اقتحام المرء الحياة دون معرفة شيء عن آدب بلاده ولا إحاطة بالكتب الكلاسيكية يشبه من يريد إجادة رياضة دون أن يعرف أساسياتها. أما وجهة نظر ميللر فيقول “يجب على الشخص حينما يفتتح مشوار قراءته أن يبدأ بالكتب الصادرة في زمانه، وأن يقرأ لمعاصريه. بنيت نظمنا التعليمية على الخرافة القائلة بأن على الصغار أن يعرفوا عن كل شيء قادنا إلى ما نحن عليه الآن، ومن ثم يباشرون في القراءة. لا نستطيع التفكير في شيء أكثر عبثية وحماقة أكثر من ذلك”.
لا يؤمن صاحب “مدار السرطان” بأن هناك تصنيفا للكتب بين “جيدة و”سيئة”، ذلك أن لا أحد في العالم يستطيع الحكم على كتاب بكلمة جيد أو سيء.
قارئ سيء وجيد
في مقالته يؤكد ميللر “ما فائدة الكتب إذا لم تعدنا إلى الحياة ونعبّ من مائها؟ أحيانا، وكما نعلم كلنا، يكون البحث عن كتاب ما أكثر إثراء لأرواحنا من الكتاب ذاته. لا معنى للقراءة إن كانت تقوم الكتب بمجرد إضافة لمخزون الفرد العلمي أو تحسين ثقافته. وربما أعظم فائدة يجنيها المرء من القراءة هي رغبته الصادقة في التواصل مع أشخاص غيره”. أن تقرأ كتابا حسب ميللر يعني أن تستيقظ من سباتك الروحي وتحيا، وتحتوي اهتماما أكبر بمن يجاورك، خصوصا أولئك الذين يختلفون عنك في كل شيء. ويختم ميللر مقالته بالسؤال: أليس كارثيا إن وجدنا عالمنا خاليا من الكتب.
يرفض الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف (1899-1977)، في مقالته “القراء الجيدون والكتّاب الجيدون” أن تكون هناك مواصفات تجعل من العمل الأدبي ممتعا وساحرا، ويقول “على المرء في القراءة أن يلاحظ التفاصيل ويعاملها برفق. لا بأس بالحكم عندما تستكشف كل أغوار الكتاب الواضحة بحب. إذا بدأ القارئ وفي باله حكم مسبق، سيبدأ بالنهاية الخاطئة وسيهرب من الكتاب قبل أن يفهمه. فلا يوجد شيء أكثر مللا وظلما من قراءة كتاب. يجب علينا أن نتذكر دائما أن العمل الفني ليس سوى خلق عالم جديد دوما”.
يرى صاحب رواية “الحريق الشاحب” أن الكاتب العظيم من وجهة نظره هو ذلك الشخص الذي يرسل كواكب دوارة، وأول من يلمع هذا العالم ويخلق العناصر الطبيعية التي يحتويها، أما القارئ الجيد، القارئ العظيم هو قارئ يعيد ما يقرأ.
يجيب الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا (1936) في مقالته على سؤال “لماذا نقرأ الأدب؟”، لأنه لا شيء يحمي الإنسان من غباء الكبرياء والتعصب والفصل الديني والسياسي والقومي أفضل من تلك الحقيقة التي تظهر دائما في الأدب العظيم، أن الرجال والنساء من كل الأمم متساوون بشكل أساسي، وأن الظلم بينهم هو ما يزرع التفرقة والخوف والاستغلال.
ويقول يوسا “إن قراءة الأدب مصدر للمتعة، ولكنها أيضا مصدر لمعرفة أنفسنا وتكويننا عبر أفعالنا وأحلامنا وما نخاف منه بكل عيوبنا ونقائضنا”. ويرفض في مقالته وصف قراءة الأدب بأنها نشاط كمالي يمكن الاستغناء عنه، بل إنه يشعر بالشفقة تجاه البشر الذين يستطيعون القراءة لكنهم اختاروا تركها. ليختم المقال بجملة “يجب أن نقرأ”.
يوضح الشاعر الروسي جوزيف برودسكي (1940-1996) في مقالته “كيف تقرأ كتابا؟”، “إننا لا نقرأ لأجل القراءة ذاتها، لكن لكي نتعلم. ومن ثمة جاءت الحاجة لتكثيف وصهر وإيجاز الأعمال التي تستحضر المأساة الإنسانية في أشد تركيز ممكن”.
يقترح برودسكي الحل الوحيد برأيه لتطوير ذائقة الشخص الأدبية وهو أنه لو كان ناشراً سيضع على أغلفة الكتب أعمار المؤلفين حينما ألفوا تلك الكتب وذلك لكي يدع للقراء القرار حول التعامل مع أفكار صدرت من أشخاص كانوا أكبر منهم، أو أصغر منهم.
يصف الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل (1948)، نفسه في مقالته “فن القراءة وحرفة الكتابة”، بأنه قارئ استطاع الكتابة. إذ يسلط الضوء على علاقته بالقراءة والتي بدأت منذ سن الثالثة أو الرابعة، وبحكم عمل والده كسفير كان كثير التنقل من بلد إلى آخر وبذلك أصبحت الكتب لديه بمثابة وطنه الواقعي، الكتب حسب رأيه “تمنحنا تجربة الحياة قبل أن نعيشها”.
عن العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.