القضية الكردية معركة كسر عظم كردية – كردية
الصراعات والحروب الأهلية هي من أخطر أنواع الحروب، لما تؤدي إليه من حالات شقاق وجروح عميقة بين أبناء البلد الواحد، وما ترافقها من بعث روح الثأر والانتقام، وانهيار البنية الاجتماعية والأهلية والوطنية وبالتالي انهيار الدولة ككيان. ولعل أخطر أنواع الحروب الأهلية هي حروب الإخوة ذوي القومية والطائفة الواحدة، وغالباً ما يكون السبب الظاهر هو الأنانية والرغبة في الاستئثار بالسلطة والقيادة. أما الأسباب الباطنية فتعود إلى خلفيات إيديولوجية أو طائفية أو عرقية، تندرج خلف سياسات التبعية أو تنفيذ أجندات جهات معينة.
إن ما يحدث بين حزب العمال الكردستاني – تركيا والديموقراطي الكردستاني – العراق، هو صراع أيديولوجي بين مدرستين مختلفتين شبه متناقضتين لأنهما تتبعان قطبي صراع : قطب تركيا والغرب زائد الديموقراطي الكردستاني، وقطب إيران وروسيا زائد العمال الكردستاني، وكل من الحزبين يرى أحقيته في الزعامة الكردية ويسعى إلى الاستئثار بالرأي العام الكردي في أجزاء كردستان الأربعة، في محاولة لسحب الشرعية من الطرف الآخر، خصوصاً بعد خروج حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من المنافسة وانحسارها بين العمال الكردستاني والديموقراطي الكردستاني. ولهذين الحزبين تجارب دموية في صراعات وحروب الإخوة سابقاً في تسعينات القرن الماضي في كردستان العراق والتي راحت ضحيتها آلاف الضحايا. ولكل من الحزبين جمهور عريض على مستوى أجزاء كردستان الأربعة، بسبب نضالهما المسلح والطويل ضد الحكومتين العراقية والتركية، وهذا ما أدى إلى تعاطف كبير بين الأكراد مع نضالهما وانخراط آلاف الشباب في صفوفهما ، خصوصاً أكراد سورية.
وسبق العمال الكردستاني غريمه الديموقراطي في تشكيل أحزاب من مؤيديه في أجزاء أخرى من كردستان بعد عام 2000 مثل:
– حزب الاتحاد الديموقراطي في سورية.
– حزب الحل الديموقراطي في كردستان العراق.
– حزب الحياة الحرة في إيران الذي غير اسمه أخيراً ليصبح
منظومة المجتمع الديموقراطي والحر في شرق كردستان، المعروفة اختصاراً بـ «كودار».
أما الديموقراطي الكردستاني فلم يهتم بالقدر الكافي بأنصاره في باقي أجزاء كردستان، خصوصاً في سورية، على رغم ارتباطات عضوية جمعتهم منذ نشوء تلك الأحزاب، وربما بسبب الانشقاقات التي تميزت بها أحزاب محوره في سورية وإيران. إلا أن «الديموقراطي» وجد نفسه في خضم الثورة السورية مطوقاً بمنظومة حزب العمال الكردستاني، خصوصاً أن الأخير سيطر عسكرياً على غرب كردستان- سورية، فأحزاب المجلس الكردي السوري التي يتبع أغلبها نهج بارزاني ترى عدم رغبتها وحاجتها إلى تشكيل وحدات عسكرية إلا في إطار وحدة عسكرية جامعة مع شريكه ومنافسه مجلس غرب كردستان، حسب تصريحاتهم، مع أن هذا المجلس ما زال يرى نفسه تحت عباءة الثورة السلمية في وقت تجتاح البلاد حرب أهلية.
وعلى عكس غريمه مجلس غرب كردستان، الذي كان سباقاً في تشكيل وحدات عسكرية «ي ب ك» ووحدات أمنية «الأسايش» والذي هو بدوره متهم من قبل بعض الأحزاب الكردية السورية والعراقية والمعارضة العربية السورية بموالاته لنظام الأسد، على رغم إنكاره ذلك.
ويتبع الديموقراطي الكردستاني الآن سياسة الند بالند مع العمال الكردستاني ويحاول التوغل في معاقله كما فعل الأخير قي معاقله، وذلك من خلال حزب جديد موال له في كردستان تركيا باسم الديموقراطي الكردستاني، وقد بذل جهوداً كبيرة في توحيد أربعة أحزاب كردية سورية. وتشكل حديثاً الحزب الديموقراطي الكردستاني- سورية لمنافسة حزب الاتحاد الديموقراطي، الفرع السوري للعمال الكردستاني، خصوصاً بعد تراجع الآمال في توحيد الرؤى والمواقف بين المجلسين الكرديين في سورية وفشل المساعي بعد سلسلة من اللقاءات والاتفاقيات برعاية بارزاني، وما تم بعد ذلك من إعلان حزب الاتحاد الديموقراطي ومجموعة من الأحزاب الكردية والعربية والمسيحية تشكيل الإدارة الذاتية المرحلية التي أنتجت حكومات في الكانتونات الثلاثة: الجزيرة وعفرين وكوباني، في غرب كردستان- سورية. واعتبر المجلس الكردي بأنه غير معني بهذه الإدارات وما يتبعها من قرارات وقوانين.
وبين رفض هذه الإدارات من المجلس الكردي ومحاولة تطبيق قوانين هذه الإدارة على الجميع من جهة مجلس غرب كردستان وحكومات الإدارة الذاتية، تحدث انتهاكات وتجاوزات من خلال إغلاق المكاتب الحزبية واعتقال الصحافيين والسياسيين الذين ينتقدون هذه الإدارة، والذين لا يلتزمون بقوانينها، وكانت آخر بدعة اتباع سياسة اعتقال قياديي الديموقراطي الكردستاني- سورية من قبل ملثمين ونفيهم إلى كردستان العراق. وفي المقابل تعامل الديموقراطي الكردستاني- العراق بالمثل مع فرع العمال الكردستاني في العراق، بمهاجمة وإغلاق مكاتب حزب الحل الديموقراطي واعتقال كوادره.
وعلى رغم نضال حزبي العمال والديموقراطي ودورهما البارز في حركة التحرر الكردية، فإن ما يحدث بينهما عن طريق مؤيديهما في سورية يعد من أصعب مراحل الصراع، وإذا استمرت المنافسة بهذا الشكل ستكون لها آثار كارثية ووخيمة على الوضع الكردي السوري المستقبلي وقضيته. وهذا الصراع في غرب كردستان- سورية يدخل في خانة معركة «كسر العظم» بين الديموقراطي والعمال من خلال محاولة كل منهما وضع غرب كردستان- سورية تحت جناحيه بشكل مطلق وتصفية الحسابات الأيديولوجية على حساب القضية الكردية السورية.
خالد ديريك.سورية/ عن الحياة اللبنانية
التعليقات مغلقة.