كرد سوريون وكردستانيون ..!

29
أكرم حسيـن
أكرم حسين

كتب أحمد الجربا رئيس تيار الغد السوري في «القدس العربي» بتاريخ  25-11-2015  مقالة  بعنوان كرد سوريون أم كردستانيون؟ أكد فيها على أن بعض مواقف المعارضة السورية من القضية الكردية في سوريا هي السبب في عدم انخراط الكرد والعمل في صفوفها لأنها تنكرت لحقوقهم، وسلكت بعض رموزها نهجا عدائيا حيالهم، كما رفضت الاعتراف الدستوري بهم واصطدمت كل محاولات التنسيق بين الأطراف الكردية وأطر المعارضة بحائط صدّ مسنود على تحالف مريب بين الإخوان المسلمين وبعض مجموعات المعارضة التقليدية، حتى كان دخولنا كديمقراطيين سوريين….
ورداً على تساؤله نقول أن الكرد في سوريا هم سوريون بقدر ما هم كردستانيون، لأن الهوية الطبيعية تتكون من تمازج عدد من الهويات الفرعية وتفاعلها، فالمرء في هذا العالم لا يمكن أن يعرف بهوية بسيطة لأن التمترس خلف هوية فرعية والانحياز المتعصب لها تجعلها « قاتلة » حسب تعبير أمين معلوف وتصبح عنصرية وإقصائية، فالكردي السوري يمكن أن يكون سورياً وكردستانياً، اسلامياً أو مسيحياً أو أزيدياً، أو أوربياً حسب جنسية الدولة التي يحملها، فالكردستانية لا تلغي السورية بتاتا لا بل تدعمها وتعززها بدعم الكرد في الأجزاء الأخرى حتى لو كان الحلم الكردي بحجم كردستان الموحدة، فليس من حق أحد أن يصادر الأفكار والأحلام والمشاعر أو يقف في وجهها، لأن كردستان قُسمت على مرحلتين، الأولى في معاهدة قصر شيرين عام 1639 بين الشاه اسماعيل الصفوي وعباس العثماني والثاني في مؤتمر سان ريمو عام 1921 وأصبحت بالشكل الذي نحن عليه اليوم, وألحقت بكل من سوريا والعراق وتركيا وايران.
لم يسمح النظام بتشكل الهوية الوطنية السورية بسبب بنيته الاستبدادية ولانغلاقه على ذاته واعتماده على بطانة فاسدة واعتبار الشعب عبارة عن «قطيع» يستطيع أن يأخذه إلى المسلخ متى يشاء، فلا وطن ولا وطنية سورية ولا مواطنة وحقوق، وبالتالي لم يسمح للكرد بالاندماج في بنية المجتمع السوري إلا بتخليهم عن كرديتهم، حيث طبقت بحقهم عشرات المشاريع والقوانين الاستثنائية، مثل مشروع محمد طلب هلال القاضي بتغيير التركيب الديمغرافي للمنطقة، والإحصاء الاستثنائي، ومنع التكلم باللغة الكردية، وسدّ الوظائف الحساسة في وجوههم وخاصة الكليات العسكرية والجيش، وعندما رفعوا شعار الأخوة العربية الكردية في السبعينات من القرن الماضي في سينما دمشق بالقامشلي تم سجن العشرات منهم.
وخلال الثورة السورية لم تستطع الخطوات الأخيرة للنظام باستمالة الكرد وإدراجهم في صفوفها، رغم إعادة الجنسية لمن حرم منها بموجب إحصاء 1962،  كما أن موقف وسلوك المعارضة السورية التي سلكت مسلكا عدائيا كما أشار إليه الجربا نفسه برفض الاعتراف الدستوري بحقوق الكرد وإزالة العروبة من اسم الدولة ومن هويتها بالإضافة إلى فصل الدين عن الدولة، ساهمت هي الأخرى بازدياد الهوة بين الكرد والمعارضة وعدم انخراطهم بالشكل المطلوب في صفوفها فانقسموا إلى تيارين الأول عسكري اختار الطريق الثالث – كما ادعى- وحاول أن يبقى على الحياد تحت ذريعة الدفاع وحماية المنطقة الكردية وعدم تعريضها لخطر القصف والدمار، والثاني سياسي انضم مؤخراً إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة دون أن يحسم خياراته أو يلتزم بموافقه  تحت زعم خصوصية المنطقة الكردية، لذلك تمايزت مواقفه في كثير من الأحيان عن مواقف الائتلاف وبقي حضوره ضعيفاً في تلك المناطق .
يطرح الجربا عدداً من الاسئلة المهمة دون أن يدخل في تفاصيلها. هل القضية الكردية السورية مطروحة كقضية سورية فقط؟ أم هي قضية عابرة للحدود الاقليمية؟ تتعلق بالدول المتقاسمة للوجود الكردي منذ تأسيس الدولة القومية في المشرق؟ هل يتعلق الأمر بالكرد السوريين فقط أم بمجمل الشعب الكردي في المنطقة والعالم رغم أنه يؤكد بشكل واضح ومتقدم بأن حل القضية الكردية السورية مطروح في الزمن الحالي كقضية سورية يجب حلها حلا واقعيا كقضية شعب يعيش على أرضه، وليس كأقلية مهاجرة كما يحاول البعض من المعارضة تصويرها في أدبياتها، وتكون هذه القضية قضية كردستانية عندما يأتي الزمن التاريخي الذي يجعل من كردستان دولة موحدة كما كانت- منذ مئات السنيين – وإلى أن يأتي ذلك الزمن ليس لدى الكرد السوريون سوى العيش والانخراط في إطار الدولة السورية والعمل جنبا مع جنب مع كل القوى الوطنية والديمقراطية لتحقيق دولة المواطنة المتساوية بإطلاق بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس.
إن وضع الكرد بين مطرقة الوطنية السورية وسندان الكردستانية، غير واقعي على الإطلاق ، لأن الكرد السوريون وطنيون بقدر ما هم كردستانيون ولا يوجد أي خلاف أو تضاد بين الاثنتين لا بل تكمل إحداها الأخرى، فالنظم العربية فشلت في تحقيق الاندماج العميق في المجتمع السوري لكل مكوناته وساهمت في تذريره وتطييفه، لا بل نظرت إلى المكونات «كقطعان» وإلى تاريخهم نظرة عنصرية وحاولت صهرهم لذلك فشلت في بناء وطن سوري، أي أمة في طور التكون كما يقول ارنست رينان نتيجة الانصهار الاجتماعي المتحقق بين المجموعات البشرية المختلفة، فالعربي والكردي والسرياني والأرمني والجركسي والدرزي والعلوي ..الخ  بقوا متمايزين عن بعضهم البعض كما كانوا، وسكنوا جغرافيا محددة لها طابع قومي أو ديني محدد، أي بعبارة أوضح  يمكن القول بأن سوريا فشلت في إنتاج أمة سورية محددة بحدود الدولة نفسها وبدلالتها لأن جميع مكوناتها  بقيت تنظر إلى اقرانها في الخارج وارتبطت معها، هذا قبلنا بأن الامة هي مجموع الناس المتجمعين في دولة تعبر عن تجمعهم.
إن ما حصل في السنوات الماضية وظهور سلطات ما قبل وطنية عابرة للحدود والدول، دون أن تمتلك أي اساس أو اعتراف قانوي بها ينذر بتفكك  وحدة المجتمع السوري  ويهدد تماسك الدولة وانهيارها بمعناها العام، فالقضية الكردية هي داخلية – سورية – بقدر ما هي خارجية – عابرة للحدود- وهو ما يبان في طريقة التعامل الدولي معها من خلال تقديم الدعم وبناء قواعد وإدارة المناطق بعيدا عن أعين السوريين أو معرفتهم ؟

نشرت هذه المقالة في العدد 60 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/3/2017

3336

التعليقات مغلقة.