وحشة… مما يحدث

50

 

طه خليل
يكتبها  طه خليل

كثيرا ما نشبه الأشياء الغامضة بمثيلاتها الواضحات كي يستقيم الشرح ويتحقق المنشود، وعادة أشبّه ثلاثة أشياء ببعضها كي أوصل الفكرة، فالهجرة الى أوروبا ” والعسكرية السورية والزواج المبكر” هذه إن لم يعشها المرء لن يفهمها مهما دبّجنا لها الشروح، وأفضنا في الوصف، وأسهبنا في إيراد الأمثلة. يجيء إليك شاب في مقتبل عمره، قائلا : ” ما رأيك ان أتزوج ” فتقول له:” انتظر قليلا، عشْ تجربتك، وافهم ما حولك، وابن لحياتك قليلا قبل أن تبني عائلة، لن تجد الوقت بعد ذلك لتبني لها، غدا ستحبّ غيرها، وستجد الأجمل منها، وستلتقي بمن تحبك أكثر ربما.” فيقول لك متحسّرا: “ولكنني أحبها، وتحبني، وأنا متأكد أنها حبي الوحيد، إن خسرتها فلن أحب بعدها، ولن أجد من ستحبني غيرها إن ضاعت ولا نصيب لي في العيش إلا معها. ” فتتوقف عن تحذيره، لأنه قد صمّم وركب رأسه، وتعرف تماما ان عمره الذي لم يتجاوز الثامنة عشر لا يفرق بين الحب والاستعداد لبناء عائلة، وبين نزوة قد ألمّت به، وشهوة كبتٍ مزمنٍ أفقده بوصلة الوعي، فيتزوج، ويرقص هو وعروسه وأهله والجيران، ويجيء مصور فيديو ليوثق الحدث التاريخي، وبعد مرور ستة أشهر تجد الشاب ذلك على بابك، يطلب منك أن تتدخل لإعادة زوجته ” الحردانة ” أو تخبر أهلها أنه لم يعدْ يطيق العيش معها، ويريد أن  يفترقوا على خير. ويجيء إليك شاب لتحدّثه عن العسكرية قبل أن يلتحق، فتشرح له عن العقوبات في الدورة، والتفرقة العنصرية، والشتائم والقرف، وممارسات الضباط، والأقدمين، والأغرار والأكل، والنوم وكل ما يتعلق بذلك، فيبقى جاهلا حتى يعيش التجربة، ليفهم تلك القذارة التي اسمها الخدمة العسكرية. والمثال الثالث هو مسألة اوروبا، يسألك أحدهم عن رأيك بالهجرة اليها، فتقول له : ” انظر الأمور ليست كما تسمع، هناك سيكرهك أهل البلد الذي تذهب إليه، لأنك ستعتاش على ضرائبهم، والمعونة التي يقدمونها لك إنما هي من تعب ودماء تلك الشعوب، لن تجد من يسهر معك، أو يلعب معك التريكس للساعة الثالثة من الألمان مثلا، اللهم إن جاورت بعض أقربائك، ولن تتعلم اللغة بسهولة، وستجد الناس تتحدث وهم ينظرون إليك شزرا، ولا تفهم ما يعنونه، ولن تجد دولارا واحدا على الرصيف، وحتى إن جلست في مقعد فلن تجلس بالقرب منك مواطنة، ستفضل الوقف في الحافة على ان تجلس قبالتك، ولا تعتقد أن شواربك المفتوله ستهز قلوب العذراوات السويديات، وسيكرهك حتى أهل بلدك هناك، لأن الضيف يكره الضيف والمضيف يكره الاثنين معا. ” فيقول لك  بثقة: ” وععععو سوّدت الحياة بوجهي، والله ابن فلان بعد سنتين أرسل لأهله ثمن فيلا بالمطار، وابن فلانه ما صارلو سنة اشترى أهله سيارة، وزوج اخوه…  ويبدأ يوجه خياله الى الأمثل والأجمل والأحسن، وإن تأخرت إقامتي سأتزوج من فتاة مواطنه من هناك وأحصل على إقامة، قال لي صديق بمجرد أن تذهب الى ” الديسكو ” ليلة ستحضر لك زوجة الى البيت في نفس الليلة.” ويذهب الشاب الى أوروبا .. ويا لهول الخيال حين يشطّ، هناك فقط سيعرف الشاب أنه مجرد طفيلي يعيش على مزبلة المجتمع الاوروبي، وسيكون أقصى حلمه أن تسلم عليه جارته. تلك وحشة الأمثلة ومشابهاتها، وثمة مشابهات تتعلق بصبغة الشعر ومهربي البشر ومدراء المكاتب العقارية، ورجل يرتدي البنطال والجاكيت ويضع على رأسه العقال .. لهؤلاء وحشة قادمة. ان سمحت لي ” ضوء روجافا ” أن أستمر ممسكا بتلابيب ضوء ينبعث من عينين فيهما حزن الدنيا، وشوق الحجحجيكات عند الغروب.

 

نـُشرت هذه المادّة في العدد 59 من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/2/2017

 

 

06

التعليقات مغلقة.