القضية الكردية في سوريا ما بين انتفاضة 2004…. ومؤتمر الأستانة !!!
شكلت انتفاضة 2004 نقلة نوعية في القضية الكردية في سوريا، وكانت المرة الأولى التي يشارك بها الكرد في جميع المدن الكردية، ودون العودة إلى الأحزاب السياسية وقتها، كما شكلت حينها هاجساً كبيراً للنظام السوري الذي فُوجئ بهذا الكم الجماهيري الكبير فقام بقمعها بشدّة كي لا تصل الشرارة إلى بقية المدن السورية، إلّا أن الجمر الملتهب بقي يشتعل ببطء حتى الخامس عشر من آذار عام 2011، حين انطلقت شرارة الثورة السورية، والتي ما لبثت تكبر شيئاً فشيئاً ككرة الثلج متنقلة من مدينة إلى مدينة ليصل شررها إلى المناطق الكردية، التي لم تكن خارج المسار، فقد وجد الكرد فيها فرصة لنيل حقوقهم المسلوبة منذ عقود، إلّا أن رياح التغيير ما لبثت أن تحولت شيئاً فشيئا إلى حرب طاحنة بين أبناء الوطن الواحد دون أن يكون للكرد فيها ناقة أو جمل، وما زاد الطينة بلة هو الانقسام في الحركة الكردية، والشارع الكردي، والذي أصبح موزعاً ما بين معسكرين، أحدهما ضمن صفوف المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف، ومعسكر آخر اختار طريقاً ديناميكياً يتغير بتغير الظروف والمصالح.
ومع تتالي المؤتمرات الخاصة لحل الصراع الدائر في سوريا، كانت القضية الكردية دائماً تشكل الجزئية المهمّشة فيها، وكان الطرف المشارك فيها على حساب الائتلاف يعطي مؤيديه الإبر المسكنة بأنهم سيطرحون القضية الكردية على الطاولة، وأنهم مسؤولون في إيصال صوت الكرد إلى الرأي العام العالمي، ليتبين يوماً بعد يوم زيف تلك الادعاءات، في حين أنّ منافسه كان في كل مرّة يطرح مشروعاً جديداً رداً على تلك المؤتمرات، فمن جنيف إلى الأستانة التي توجهت إليها الأنظار هذه الأيام حيث اجتمع النظام، والمعارضة تحت مظلة ( روسية – تركية – إيرانية )، وبعد أن حسمت قائمة المدعوين من قبل النظام والمعارضة.
فالنظام هذه المرة، وعلى غير العادة لم يضم في قائمته أي شخصية كردية كما السابق، في حين أن وفد المعارضة ضمّ شخصيات كردية كأعضاء في الائتلاف السوري المعارض، وليس كوفد كردي مستقل يمثّل تطلعات الشعب الكردي، وطموحاته، ومع ذلك تهافتت الكثير من المنابر الإعلامية، والكردية منها على وجه الخصوص بالترويج لذلك الوفد المشارك، وأنه ممثل عن الكرد متناسين أن الوفد دعي كجزء من الائتلاف، وليس كوفد مستقل، والملفت في الموضوع أن ثلثي المدعوين من المعارضة السورية كانوا من الفصائل العسكرية المدعومة تركيّاً، والهدف من المؤتمر أصلاً كان تصفية الفصائل العسكرية، وغربلتها حسب الكثير من المحللين لتصبح ملائمة لأجندات الدول الداعمة لها، بغية الوصول إلى حل مرحلي يليه حل شامل للصراع الدائر في سوريا، واتضح ذلك جلياً في البيان الختامي، والذي أكد أن تنظيم داعش، وجبهة النصرة هي فصائل إرهابية يجب محاربتها، والقضاء عليها على الرغم من تحفظ الكثير من تلك الفصائل سابقاً فيما يخصّ جبهة النصرة بالتحديد.
وكما كان متوقعاً فلم تتم الإشارة الى القضية الكردية بل تمّت الإشارة إلى الإثنيات، والطوائف كنسيج متكامل في سوريا، ليس ذلك فحسب بل تمّ التركيز في البيان الختامي على عبارة《 التأكيد على وحدة، وسلامة، وسيادة أراضي الجمهورية العربية السورية 》ما يعني بقاء الشوفينية العربية المتمثلة لطرفي الصراع في سوريا، سواءً المعارضة أو النظام، وما أثار حفيظة الشارع الكردي أكثر، هو محاولة الوفد المشارك باسم المجلس الوطني الكردي إدراج الطرف الكردي المسيطر على زمام الأمور في روجآفاي كردستان على قائمة الإرهاب متناسياً أن القوات المحسوبة على ذلك الطرف حررت أغلبية جغرافية كردستان.
و كانت تلك من أشد الأسباب موضوعية في عدم وضع المسألة الكردية على طاولة الحوار، خاصةً بغياب القوة الفاعلة على الأرض من القوات المقاتلة المتمثلة بوحدات حماية الشعب ” YPG “، وحتى لو طرحت القضية الكردية كانت ستطرح بشكل يقصي الطرف المقاتل على الأرض مما يعني تصادماً مستقبلياً، وبالتالي كان من الأفضل على الكرد عدم المشاركة فيه بهذا الشكل الضعيف، خاصةً وأن ما جرى في الكواليس حول إصرار تركي على مشاركة طرف على حساب طرف، و كذلك إصرار إيراني على عدم مشاركة واشنطن حليف وحدات حماية الشعب ” YPG ” ما هو دليل على التآمر المزدوج على القضية الكردية، وبرضى و تواطؤ من الروس الذين فضّلوا المصالح المشتركة ( التركية – الإيرانية ) على القوات الكردية، وربما كانت رسالة من الروس أنفسهم لتلك القوات كعقوبة لها على تحالفها مع الأمريكيين، ولعل قادم الأيام ستكشف الكثير من خفايا الأمور، ولكن ستبقى القضية الكردية السورية في مخاضها العسير، إلى أن تتقاطع المصالح الدولية مع ما هو موجود على الأرض، ولعلّ إحدى المؤشرات الجيدة على ذلك هو الإبقاء على الطاقم الإداري والعسكري في الإدارة الأمريكية الجديدة والخاصة بالملف السوري الكردي، والتنسيق بين قوات التحالف ووحدات حماية الشعب ” YPG “، كذلك ما تمّ تسريبه مؤخراً عبر وسائل الإعلام من مسودة دستور روسي لسوريا يتضمن الكثير من التعديلات التي كانت من الممنوعات حتى وقت قريب، وأبرز تلك التعديلات إزالة كلمة العربية من اسم الجمهورية، وتقليص دور المركز بشكل كبير مع إعطاء السلطات المحلية دور أكبر، و الإشارة بشكل واضح إلى المناطق الكردية للمرة الأولى كمناطق لها خصوصية ثقافية واجتماعية، إضافةً إلى تقليص سلطات رئيس الجمهورية، وإعطاء صلاحيات أوسع إلى رئيس الوزراء وغيرها الكثير.
عدا عن ذلك تسريبات سابقة تحدثت عن اتفاق أمريكي – روسي على تقسيم سوريا إلى ثلاثة أقاليم يكون الإقليم الكردي تحت وصاية أمريكية ما يعني أن ما يحدث في المؤتمرات شيء، وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر، والأيام القادمة ستكون حبلى بالكثير من الأخبار المفرحة للكرد على الأقل. ..
نشرت هذه المقالة في العدد (58) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 1/2/2017
التعليقات مغلقة.