الكرد والأستانة ..

75
16426506_1279078892172541_1309659360_n
ديرسم إسماعيل حمه

ديرسم إسماعيل حمه

“في الأستانة، كان المجلس الوطني الكردي الحاضر الغائب!. ولم يحرك ساكناً حتى عندما طالب محمد علوش رئيس الوفد المفاوض علانيةً بوضع الـ PYD على قائمة الإرهاب وهو المطلب والهدف التركي الأكبر”

حاز الاجتماع الأخير الذي عقد في 23.01.2017  في الأستانة عاصمة جمهورية كازاخستان على حيّز كبير من الاهتمام والمتابعة من قِبل المراقبين السياسيين والعسكريين ووسائل الإعلام المختلفة، وذلك لأن هذا الاجتماع استمد أهميته كونه عُقد ولأول مرة في تاريخ الحرب السورية بتوافق روسيّ تركيّ إيرانيّ وبدعم وترحيب أوروبي وأمريكي، ولم يسبق أن حصل هكذا نوع من التوافقات الجادة بين اللاعبين والمحركين الأساسيين على الأرض السورية،

ولذلك يُتوَقعَ حقيقةً أن مؤتمر جنيف المقبل الذي سينعقد نتيجة عنه سيكون بداية حقيقية وأول الخطوات الجادة على طريق إنهاء هذه الحرب المدمرة المستعرة منذ ما يقارب الست سنوات.

أما في ما يتعلق بالوضع الكردي، فباعتقادي أنه ستحدث تغيرات وتحوّلات مفاجئة وكبيرة في المرحلة القادمة.. حيث أن دعوة المجلس الوطني الكردي للاجتماع بشكل رسميّ ككتلة ممثلة للكرد السوريين وإبعاد الإدارة الذاتية المتمثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي  له دلالات ومؤشرات كبيرة، خصوصاً أن الدعوة تمت من قِبل الطرف الروسي الذي هو بدوره يفترض أن يكون حليفاً وداعماً أساسياً للـPYD على الأرض، اذاً ماحصل هو برأيي رسالة واضحة موجهة للـ PYD بأنه غير مقبول بهذا الشكل دولياً وإقليمياً، وأنه ورقة ضغط ومساومة قد يتم التخلي عنه في أية لحظة عندما يتطلب الأمر حسب المصالح والتوافقات السياسية والعسكرية بين الأطراف .. وأن المجلس الوطني الكردي وحلفائه هم الآن المعتمدين اقليمياً ودولياً لتمثيل الشعب الكردي والحركة الكردية في كردستان سوريا، وهذه حقيقةً نقلة سياسية نوعية للمجلس الوطني مع عدم انكار فضل الدعم السياسي الذي تلقاه من إقليم كوردستان العراق وتركيا..

ولكن حضور المجلس في الأستانة سابقاً وجنيف في الفترة القادمة لوحده بهذه الشاكلة ليس كافي بتاتاً وليس لحضوره أي تأثير ذو قيمة لخدمة المشروع القومي الكردستاني في سوريا، حيث أن المجلس لايمتلك قوة عسكرية على الأرض في سوريا وبذلك لايستطيع أن يفرض أيً من مطالبه ورؤاه بقوة وحزم ” غير مايدرج في خانة المشروع سلفاً كحقوق المواطنة والحقوق الثقافية والمدنية فقط” وهذا ما حدث فعلاً، فالمجلس كان حاضراً غائباً.. ولم يحرك ساكناً حتى عندما طالب محمد علوش رئيس هيئة التفاوض علانيةً بوضع الـ PYD على قائمة الإرهاب.. وهو المطلب والهدف التركي الأكبر والذي تنازلت تركيا عن حلب وعن أنصارها من الفصائل المقاتلة في سبيله.. لم يكن ولم يوجد للآن أيّة ردة فعل من ممثلي المجلس في الاجتماع على ذلك، وكأنه لايعنيهم.. ولكن ماقد لايدركه عدد كبير من قيادات المجلس والقاعدة الشعبية المرتبطة به أن هكذا هدف إذا تم فهو ضربة قوية للمجلس أيضاً وللكرد بشكل عام، لأنه بذلك علوش وأسياده الأتراك يسعون لوضع نصف الشعب الكردي في كردستان سوريا في خانة الإرهاب.. وبذلك يؤسسون لإمكانية تصنيف أي كردي لايتّبعهم مستقبلاً على الهوية بأنه إرهابي وأنه على ارتباط بالـ PYD سواءاً كان ذلك الكردي مرتبطاً بالتنظيم أم لا، كما حال الحجة الجاهزة الآن بالإرتباط بداعش والنصرة المصنفات ارهابية.

نعم.. إن الانقسام السياسي في البيت الكردي في سوريا إلى طرفين متصارعين ومتخاصمين أحدهما مرتبط بالأجندات الايرانية والآخر أصبح مرتبطاً بالأجندات التركية يقوم بإضعاف الموقف السياسي للكرد كثيراً أمام المجتمع الدولي والإقليمي ..وهذا يُعتبَر خسارة مخزية للسياسة الكردية السورية في ظل هذه المرحلة الدقيقة والنادرة والمفصلية في تاريخ المنطقة .

كما أن هذه النقطة بالذات قد ينتج عنها صراعات وحرب كردية داخلية في المستقبل القريب وخصوصاً لما يتم تداوله من أخبار  عن تدريب وتسليح بيشمركة روجآفا وإعدادهم من قبل التحالف الدولي وبدعم تركي للمشاركة على الأرض السورية في المرحلة المقبلة “وهذه احدى السيناريوهات المطروحة وبشدة” والتي إذا حصلت بدون توافق كردي مسبق ستكون لها ضريبة عاليه جداً من الدماء والدمار على الشعب الكردي عامة.. ونحن في غنى عن ذلك .

اذاً..يجب على الـ PYD مراجعة سياساته وتصرفاته بشكل جدي والتخلي عن الارتباط الفكري مع العمال الكردستاني والعودة الى حالة التوافق مع الحركة الكردية وأن يباشر بخطوات حقيقية في هذا المجال ، وعليه التفكير الجدي بالعودة إلى اتفاقيات هولير 2/1 وبشكل حقيقي هذه المرة ولآخر مرة .. وذلك قبل فوات الأوان كونه أصبح ايضاً في موقف حرج وصعب جداً، ويجب على المجلس الوطني الكردي السعي لذلك من جهته أيضاً وأن يتصرف بعقلية جدية لتحقيق التوافق وتوحيد الصف الكردي .. لأنه بوجود مظلة سياسية وجسد سياسي كردي مستقل يجمع ويمثل الكرد السوريين بشكل كامل سياسياً بالإضافة لجيش كردي موحّد بين بيشمركة روجآفا والـ YPG سيجعل من الكرد رقماً صعباً ولهم وزن وموقع كبير في المعادلة السورية المستقبلية، وسيصبح تحقيق الاهداف والحقوق القومية الكردية المشروعة ممكناً وبشكل كبير، وإلا فإن المستقبل القريب لن يحمل لنا سوى المزيد من التشرد والويلات والخسارة، وستحمل لنا الأيام المقبلة الكثير من لوزان وجارجرا وشنكال مجدداً . وسأختتم المقال بجملة للشاعر الكوردي العملاق ” جكرخوين ” :

((Heger hûn nebin yek.. Hûnê herin yek bi yek ))

 واظن ان رجلاً عبقرياً وعملاقاً كجكرخوين كان يعي مايقوله تماماً، ويجب على الحركة الكردية بشقيها والشعب الكردي بمثقفيه ومنظماته وقواعده الحزبية وقواه الشبابية أن يدركوا ويفهموا أن الفرص التاريخية كالمتاحة اليوم نادرة ولاتتكرر ويجب أن نناضل ونسعى فيها بكل مايمكن لإثبات ذاتنا وإقرار حقوقنا وصنع مستقبلنا .. ولايجوز أن يتمّ التصرف مع هكذا فرصة بهذه العقلية المتحجرة وهذه المراهقة السياسية والنظرة الحزبوية والفكرية الضيقة والمتخلفة .. فالعالم والتاريخ لايسيران بهذا الشكل ولا يرحمان المغفلين .

نشرت هذه المقالة في العدد 58 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/2/2017

16506811_1552440028104171_2043420021_n

التعليقات مغلقة.