الاتحاد الديمقراطي بين استراتيجيات روسيا وأمريكا  

25
%d8%ad%d9%85%d8%b2%d8%a9-%d9%87%d9%85%d9%80%d9%83%d9%8a
حمزة همكي

لم يكن حزب الاتحاد الديمقراطي يحلم بانفتاح الولايات المتحدة الأمريكية على العلاقة معه لولا أنّ تنظيم داعش أسدى للحزب الكردي خدمة، حينما قام بالهجوم على مدينة كوباني الحدودية مع تركيا في العام2014، في وقت كانت الإدارة الأمريكية تبحث عن جهة عسكرية تنوب عنها في محاربة التنظيم الإرهابي في سوريا، لا سيّما بعد أن رفض وفد الائتلاف السوري المعارض الذي زار واشنطن في وقت سابق والتقى بمسؤولين كبار في وزارة الدفاع الأمريكية وطلبوا منهم تشكيل فصيل عسكري مهمته التصدي لداعش مع التعهد بالدعم اللازم.

هذا الانفتاح الذي جعل من حزب الاتحاد الديمقراطي مثار اهتمام دولي خاصة أنّ جناحه العسكري “وحدات حماية الشعب” أبدى فعاليّة في التصدي للتنظيم في كوباني بالتعاون مع قوات البيشمركة التي دخلت المدينة عبر تركية، لتزداد ثقة الولايات المتحدة بهذه القوات لاحقاً بعد سيطرتها على قرى وبلدات عديدة كانت في قبضة تنظيم الدولة في منطقة الجزيرة ومناطق تل أبيض وكوباني.

وأتت حادثة إسقاط تركية للمقاتلة الروسية في تشرين الثاني 2015، مفتاحاً بيد موسكو لدعم PYD ـ YPG، علماً أن “مارك تونر” المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قال في إحدى تصريحاته إنّ واشنطن لم تشهد دليلاً على أنّ وحدات حماية الشعب تتعاون مع الروس.

وتطلعت روسيا من خلال هذا الدعم ـ بحسب مراقبين ـ لتحقيق هدفين رئيسيين: مساندة النظام في وجه المعارضة “المعتدلة” المحسوبة على تركيا بصورة أساسية، ومعاقبة حكومة العدالة والتنمية بقطع تواصلها الجغرافي مع فصائل المعارضة وحصارها بشريط كردي.

في خضم هذه التطورات المتسارعة وجد الحزب نفسه أمام واقع يصعب التعامل معه بسهولة وهو كيفية التوفيق بين العلاقة مع موسكو وواشنطن في الوقت عينه.

ويبدو أن الاتحاد الديمقراطي وجد نفسه بصورة ما ضمن الأجندات الأمريكية، ويدها الضاربة على داعش في سوريا، هذه المعادلة بالنسبة لـ PYDفرصة لا تعوّض وذلك لأنّه كي يغلق الطريق أمام أي فصيل سوري آخر أو جهة سياسية كردية أخرى للوصول إلى رضى الإدارة الأمريكية ينبغي أن يخدمها بكلّ ما أوتي من قوّة أملاً باعتراف رسمي بـ “الإدارة الذاتية الديمقراطية” أو اتفاق سياسي قد يأتي مستقبلاً، بيد أن الاتفاق الأمريكي معه لم يتعدَ النطاق العسكري عبر وزارة الدفاع، خاصة أن الخارجية الأمريكية لم تكن راضية وما زالت عن قرار البنتاغون بهذا الخصوص، كل ذلك جعل من الحزب في وضع يحاول إرضاء الطرفين أمريكا من الناحية العسكرية وروسيا من الناحية الدبلوماسية، في ظل استياء القادة الأتراك من طريقة تعامل الدولتين وبشكل خاص الولايات المتحدة مع الحزب الكردي الذي تعتبره أنقرة رديفاً لحزب العمال الكردستاني، وترى في نجاحه تهديداً لأمنها القومي وتخشى أن تنتقل عدوى تجربة إقليم كردستان العراق إلى سوريا ومن ثمّ إلى الداخل التركي، معادلة تبدو ناجعة بالنسبة للاتحاد الديمقراطي في الفترات السابقة، لكن نجاعتها لن تستمر طويلاً خاصة إذا تحددت ملامح الحل في سوريا، لأنه ستتضح المحاور في صورتها الاستراتيجية، مما يحتم عليه إيجاد بديل بخطوات تمثل حل المشاكل الداخلية مع الأطراف الكردية الأخرى والقبول بشراكتها، فضلاً عن السير نحو استراتيجية معينة تضمن الأهداف الكردية بالدرجة الأولى.

هذا الوضع لم يكن ليدع تركيا في موقع المتفرّج وهي الدولة القوية ولديها طموحات كبيرة في زعامة العالم الإسلامي ولعب الدور الفاعل في ملفات المنطقة، خاصة التي ترى فيها ما يضرّ بمصالحها وأمنها الداخلي حتى وصل الأمر برئيسها رجب طيب أردوغان أن يصرخ في وجه الإدارة الأمريكية وعلى الملأ.! فخيّرها بين التحالف مع أنقرة أو حزب الاتحاد الديمقراطي، الأمر الذي جعل من إدارة أوباما تقوم باحتواء الأزمة مع أنقرة لا سيّما بعد أن اتهمتها الأخيرة بالضلوع في عملية الانقلاب الفاشلة، فغضّت الطرف بل تعاونت لدخول  قوات درع الفرات إلى مدينة جرابلس السورية، وطلبت من PYD  التراجع بـ” قسد” إلى شرقي نهر الفرات، إلّا أن ذلك لم يكن كافياً لإرضاء طموحات الحكومة التركية وهو تجفيف المنابع الدولية التي يستمد الاتحاد الديمقراطي منها قوته، فعمدت تركيا إلى تحويل سياستها إلى التقرب من روسيا وحلّ خلافاتها معها بعد أن وصلت إلى الحضيض إثر إسقاط المقاتلة الروسية.

هذا التقارب يبدو أنّ الخاسر الأساسي منه هو ال PYD والكرد في سوريا بشكل عام، لأنّه لو افترضنا أنّ الاتحاد الديمقراطي كان قد وضع ضمن استراتيجيته العلاقة مع الروس والاعتماد عليهم بخصوص الدعم العسكري أو السياسي في المستقبل فإن هذه الاستراتيجية ذهبت مع الريح، لأنه ليس من المعقول أن تتخلى روسيا عن تركيا من أجل الكرد في سوريا، حتى لو فُهِمَ التقارب الروسي التركي تقارباً تكتيكياً ولأهداف معينة ومحددة فبدون أدنى شكك فإن المسألة الكردية هي الملف الرئيسي في الأجندات التركية في الاتفاقات بين الطرفين، وربّما أتت دعوة الجنرال الروسي “ألكسندر دفورنيكوف” في حميميم، للأحزاب الكردية في هذا الإطار لأن روسيا كما أمريكا لا ترغب في ارتماء الكرد في أحضان الآخر بالكامل، فرغبت بإشعار الكرد أنّه مهما كان حجم اتفاقات الروس مع تركيا فإنّها لن تتخلى عنهم بسهولة، الأمر الذي يقطع اليقين بالشكّ من أنّ الأمر ليس كذلك ـ فيما لو صحَّ هذا الاحتمال ـ بناءً على لغة المصالح الدولية المعروفة.

من جهة أخرى، ما زال الوقت مبكّراً للحديث عن المحور الذي ينبغي أن يختاره حزب الاتحاد الديمقراطي في المراحل القادمة ـ مسيّراً كان في ذلك أم مخيّراً ـ للمحافظة على مكتسباته والتي هي في النهاية مكتسبات كردية، لكن الأجدى به أن يقوم بعملية حوار جادة ومبنيّة على تفهّم الخطر المحدق بالكرد وحل الخلافات مع المجلس الكردي، فالإدارة الذاتية بأحزابها لن تسطيع تحمّل أعباء وتبعات كل هذه الملفات بمفردها خاصة من الناحية الدولية وتشتت الجهود الكردية بين أحلاف متناقضة من حيث الأهداف والاستراتيجيات، وجاءت تصريحات الرئيس المشترك لهيئة الشؤون الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر لإذاعة محلية مؤخراً تصبّ في هذا الإطار، فضلاً عن تسببها بانتكاسة للكثيرين وهي قوله “إنّ الإدارة الذاتية لا تملك أية ضمانات في بقائها” زدْ على ذلك فإنّ العام 2017 مقبل على تغيّرات ما زلنا نجهل حجمها ونوعها، في وقت يترقب فيه الجميع استلام الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض.

 

نشرت هذه المقالة في العدد 56 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/1/2017

3697

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.