لنرحّل الخلافات الحزبية إلى ما بعد انجلاء غبار المعركة

32
%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af
المحامي عبدالسلام أحمد

التفاهم الروسي التركي الإيراني وبالتالي السوري سيتضمن ملاحق سريّة تستهدف الشعب الكردي، وما يتمّ الاتفاق عليه وراء الكواليس غير ما يتمّ الإعلان عنه للعامة، هذا ما تخبرنا به وقائع مسيرة الكرد الدامية عبر التاريخ مع حكام الدول الغاصبة لكردستان فما اجتمعوا إلّا وكان التآمر محور جدول أعمالهم، ولم يتصاعد من مدخنة قاعة اجتماعاتهم سوى الدخان الأسود.

إعلان موسكو يهدف إلى تأهيل النظام وعودة السوريين لبيت الطاعة، وإنهاء الأزمة السورية بما يتفق وشروط النظام وبقاءه على رأس السلطة، مما يعني التفريط بثوابت الثورة التي قدم من أجلها الشعب السوري آلاف الضحايا، والسؤال المطروح هنا هل سيُكتب النجاح للمؤتمر المزمع عقده في الأستانة؟ هل ستقبل الهيئة العليا للمفاوضات حضور المؤتمر؟ وهل يقبل الأتراك والإيرانيون والنظام حضور ممثلي الإدارة الذاتية؟ أم سيقوم الروس بدعوة الأحزاب الكردية كما هي الدعوة التي وجهت إلى أربعة وعشرين حزباً كردياً لحضور اجتماعات حميميم، وبالتالي بذر الشقاق في صفوف الكرد، والقول بعدها بأنّ الكرد عاجزين عن تشكيل وفد مشترك، جملة أسئلة ليس من الصعوبة الإجابة عليها إذا قرأنا بتمعن مفردات البيان الصادر بنهاية اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث التي اجتمعت في موسكو.

التصريحات والمواقف وتعدد القوى المسلحة السنية السلفية وارتباطاتها والمشروع الإيراني وحشود الفصائل الشيعية مع قوات النظام التي تقضم الأرض، تشير إلى أنّ مصير مؤتمر الأستانة  لن يكون أفضل من مؤتمرات  جنيف الثلاث، سيّما وأن المؤتمر يتجاهل دور الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية ودوّل الاتحاد الأوربي في الأزمة، كما أنّ دمشق وأنقرة وطهران لاتزال على مواقفها السلبية تجاه القضية الكردية والإدارة الذاتية الديمقراطية،  لذا فإنّ تسوية الأزمة السورية لازالت بعيدة المنال، وعلى الأغلب سيستمر الصراع عدّة سنوات أخرى.

أمام هذه اللوحة الواضحة، ونحن نتلمس الخطر القادم ونستعيد الذكريات المؤلمة لخيانة القوى الدولية التي باعت الكرد في أسواق النخاسة، نسأل هل ارتقت الأحزاب الكردية في روجآفا لمستوى تحديات الأخطار المحدقة بالكرد؟، وهل الأحزاب الكردستانية تؤدي دورها المنوط بها قومياً في هذه المرحلة المفصلية حيث يتكالب الأعداء لخنق ثورة روجآفا؟، وفيما اذا كان الساسة  يدركون  حجم المخاطر التي تتهدد وجودنا، وخاصة المجلس الوطني الكردي الذي اتّخذ بعض قادته من مدينة اسطنبول مركزاً لحبك المؤامرات، ومن القناة التركية السادسة منصّة لإطلاق السموم وتشويه حقيقة ما تمّ انجازه اليوم بتضحيات آلاف الشهداء، لا بل أن الحمية دفعت ببعضهم للتظاهر ضدّ وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة أمام السفارة الأمريكية في برلين، بطلب قطع إمدادات السلاح عن القوات التي تحمي شرف وكرامة شعوب روجآفا، هؤلاء الغارقين حتى الثمالة  بالكردايتية لم  نسمع لهم صوتاً ولم نشاهدهم يتظاهرون ضد المجازر المرتكبة بحقّ شعبنا في شنكال والجزيرة وكوباني وعفرين والشيخ مقصود على يد تركيا وحلفائها، والجندرمة التركية تتقدم اليوم في منطقة الباب ويعلن ساستها بإن هدفهم منع إقامة الكيان الكردي، وفي الوقت الذي تخوض فيها قوات سوريا الديمقراطية حرب وجود لرفع حصار تركيا والمجموعات الإرهابية عن عفرين المعرّضة لمصير مشابه لمصير كوباني.

على القوى الكردستانية أن تسارع إلى عقد المؤتمر القومي الكردستاني، وتأسيس مرجعية كردستانية، وتوحيد الخطاب السياسي الكردي، ووضع استراتيجية موحّدة للقضية الكردية، ويجب أن لا تحول الخلافات الفكرية والأيديولوجية دون عقد المؤتمر، والقائد اوجلان كان قد وجّه عدّة رسائل بهذا الخصوص، وطالب بأن يترأس الرئيس مسعود البرزاني المؤتمر، وهو ما تمّ في الاجتماع الذي عُقد  في هولير شهر أيلول ٢٠١٣، بحضور الفعاليات السياسية والمجتمعية من أجزاء كردستان الأربعة والمغتربات، وترأس افتتاح جلستها السيد البرزاني وَمِمَّا يُؤسف له بأنّ اللجنة التحضيرية التي انبثقت عن الاجتماع الأول لم تستطع تجاوز خنادقها الحزبية والشكليات، ممّا حال دون استكمال المسيرة التي بدأت بخطوة صحيحة وفي ظرف إقليمي ودولي مناسب جداً للكرد، بفعل تعاظم دورهم في مواجهة التنظيمات التكفيرية التي باتت تشكل  خطراً على السلام العالمي.

وما يؤلمنا  أنّ الرئيس مسعود البرزاني لم يغادر خندقه الحزبي أثناء عمل اللجنة التحضيرية وهو المرشح دون منازع لرئاسة المؤتمر، كما ألقى موقفه  من ثورة روجآفا بظلاله السلبية على أجواء العلاقات بين القوى الكردية، وهو الراعي المباشر لاتفاقيات هولير 1-2، ودهوك 1-2، كما لم يحافظ على حياديته في الخلافات التي استحكمت بين المجلسين الكرديين بخصوص تنفيذ بنود الاتفاقيات،  ولم يقف على مسافة واحدة وتمترس في جبهة المجلس الوطني الكردي وتبنى مواقفه رغم تبيان خَطَأ وفساد رؤية المجلس للمشهد السياسي السوري، وصوابية رأي حركة المجتمع الديمقراطي، وانضم لحملتهم الإعلامية التي تناغمت مع الحملة التركية المشوّهة لصورة الإدارة الذاتية لدى الرأي العام العربي والعالمي كما فرض الحصار الاقتصادي على روجآفا في وقت كنّا بأمسّ الحاجة لهولير والسليمانية.

 يقتضي الواجب القومي والوطني على كلّ القوى السياسية الكردية في روجآفا بمختلف مشاربها الفكرية وتوجهاتهم توجّهاتها السياسية ترحيل الخلافات الحزبية إلى ما بعد انجلاء غبار المعركة، والاصطفاف خلف قوات سورية الديمقراطية، ومساندة مشروع الفيدرالية لإفشال التآمر الإيراني السوري التركي، فالتاريخ لن يرحم من يعمل على تكرار تراجيديا الثورات الكردية التي ضاعت بسبب وقوف بعض القادة إلى جانب أعداء الشعب الكردي لمصالح زعاماتية.

نشرت هذه المقالة في العدد 56 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/1/2017

3696

 

التعليقات مغلقة.