المتة والشاي والفتنة
أبو حيدر يقرقر و يرفع سماعة الهاتف و ما أن يسمع الصوت من الطرف الآخر حتى يبادره بصيغة آمرة: “تعال للمكتب يا ابني” و يستدرك “بسرعة”. و يغلق الهاتف دون أن يسمع جواب (ابنه).
بعد لحظات ينقر أحدهم على الباب فيقول أبو حيدر: “أُدخل” و يدخل (ابنه). يضرب قدمه على الأرض و يلقي التحية و يقول: ” أوامرك سيدي”.
– اقعد يا ابني.
– شكراً سيدي.
– يا ابني جعفر، أفي عندك مهمات حالياً؟
– لا سيدو، حالياً مافي وراي شي.
– طيب يا جعفر… أفي عندك كمبيوتر؟ أو لابتوب؟
– أي سيدي عندي.
– بتعرف بالأنترنت يا ابني جعفر؟
– أي سيدي بعرف و ساويت دورة كمان.
– أي كويس يا ابني. عندك فايسبوك يا جعفر؟
– نعم سيدي عندي حساب بس مو بأسمي سيدي.
– لكان بأنو اسم حسابك هاد؟
– سيدي اسم حسابي (بنحبك بجنون يا طبيب العيون).
– عفارم عليك جعفر. طيب رح أعطيك مهمة جديدة.
– أنا بالخدمة سيدو.
– لازم تعمل حساب جديد أو عدة حسابات حالاً.
– أنا جاهز… شو يكون اسمون و عن شو سيدو.
– ابني جعفر. اعمل كم حساب بأسامي كردية.
– عفواً سيدو، حسابات كردية!؟ ما فهمت كيف يعني.
– و لك لا تقاطعني يا ابني، عم أقلك مهمة.
– عفواً سيدي لا تؤاخذني.
– بدي منك تعمل كم حساب بأسماء كردية، مثلاً مثلاً: (بارزاني للعظم)، (صقور قامشلو)، (أحفاد بارزاني)، (كجا عفرين)، (بيشمركة و أفتخر و اللي ما عاجبو ينتحر) و هيك أسامي نار.
– تمام سيدي.
– كمان لازم يكون صور البروفايل فيها أعلام شمال العراق و صور من هنيك و صور بنات حلوات ميشان يجذب الشباب. و اذا لزمك صور بإمكانك تأخذها من أرشيف المنشورات و المجلات المُصادرة في القبو.
– تمام سيدي رح أطلب المساعدة من العريف وائل. بس سيدي شو أنشر بالحسابات هدولن؟
– أكتب شغلات منيحة كتير عن شمال العراق و عن البيشمركة و البارزاني و جماعتون اللي هو بالجزيرة. و حاول تجمع أكبر عدد ممكن من المعجبين و الاصدقاء و أدخل بكل المجموعات و الصفحات الخاصة بالجماعة.
– تمام سيدي رح أنفذ أوامرك.
– طيب يا ابني هلق روح بلش الشغل و ناديلي على العنصر أبو علي.
– حاضر سيدي.
بعدها قام أبو حيدر بالضغط على زر على مكتبه و ما هي لحظات حتى دخل الحاجب.
– أمرك سيدي.
– يا ابني سخنلي أبريق المي و جيبيلي علبة متة جديدة.
– حاضر سيدي.
في ذلك الوقت وقف العنصر أبو علي بعتبة الباب و ضرب بقدمه على الأرض مردداً : ” احترامي سيدي”.
– أدخل يا ابني. أقعد هون.
– شكراً سيدي.
– أبو علي أنت بتعرف تشغل الكمبيوتر و الانترنت منيح؟
– طبعاً سيدي. و كان عندي محل بالجميلية.
– أي منيح يا أبو علي، أصبح رح أعطيك مهمة و لازم تشتغل عليها منيح من قلب و رب.
– أنا حاضر سيدي.
– بدي منك تعمل كم حساب على فايسبوك بأسامي كردية، مثلاً: (صقور قنديل)، (زاغروس بوتان)، (جوانين كوباني)، (آبوجي للعضم)، (صيّاد الخونة)… و هيك أسامي قريبة من جماعة قنديل و صاليييح مسّلم. طبعاً لازم تحط صور للانفصاليين و مقاتليهم و أعلامهم الخاصة.
– سيدي فهمت المطلوب بس ما دخلت بمخي…
– يا ابني أنت اعمل اللي أقوله لك.
– أمرك سيدو.
– و اذا لزمك صور أو منشورات بإمكانك تأخذها من المنشورات و المجلات الانفصالية المُصادرة الموجودة بالقبو. لازم تنشر كتير صور حلوة و منشورات قوية و أشعار و كلمات مؤثرة… طبعاً ما بدي أوصيك، لازم تجمع أكبر عدد من الاصدقاء على الحسابات و تدخل بكل الصفحات و المجموعات التابعة للانفصاليين و جماعة قنديل.
– أمرك سيدي.
– هلق فيك تروح و تبلش شغلك.
نظر إلى كاسته المليئة ببقايا المتة الخضراء و صرخ بصوت عالي: “ولك يا زفت ليش ما جبتلي المي السخنة؟”
* * *
بعد أسبوع
أبو حيدر يقرقر المتة و و هو يتصفح الكمبوتر الذي أمامه و بين لحظة و أخرى يرفع عينيه عن شاشة الكمبيوتر و يتابع شريط الأخبار على القناة الرسمية. رفع الهاتف و أدخل الأرقام الأربعة و ما أن سمع صوت الطرف الآخر حتى بادره بصيغة آمرة و بلا اكتراث: ” تعال للمكتب يا ابني بسرعة” ووضع الهاتف. و ما هي لحظات حتى سمع صوت دقات على الباب فرفع صوته دون أن ينظر إلى الطارق: “أادخل”. دخل أحدهم و ضرب قدمه على الأرض: ” احترامي سيدي”.
– اقعد يا ابني.
– شكراً سيدي.
– شو عملت يا ابني بالمهمة. (كان يخاطبه دون ان يرفع عينيه عن شاشة الكمبيوتر).
– سيدي تم تنفيذ أوامر وعملت خمس حسابات والشغل ماشي تمام التمام بحسب أوامركم سيدي.
– صار عندك كم من الأصدقاء يا ابني؟
– سيدي في حساب وصل لشي أربعة آلاف صديق و حساب تاني فيها شي الفين و في حساب شي الف و خمسمية و حساب تاني…
– تمام تمام… هلق صار لازم تبلش الشغل الجد.
– كيف يعني سيدي ما فهمت؟
استدار نحو العنصر جعفر و نظر إليه ملياً و قال:
– لازم تبلش تتهجم على جماعة قنديل و كل الانفصاليين و على جماعة مسلم. مثلاً اشتم رموزهم، اشتم و تمسخر على أمواتهم، تمسخر على رموزهم و أعلامهم و قادتهم و أفكارهم و بناتهم… مثلاً عيرهم بأنهم جماعة كهوف و مغاور و متوحشين و باعوا القضية و ضد كردستان و عملاء و متخلفين و عطالين…
– يعني أبلش حرب عليهم؟
– أي أكيد… و كمان خلي الشباب يساعدوك بالتقاط بعض الصور. مثلاً اعملوا صورة، خلي كم عنصر يحمل علمنا و عنصر تاني يرفع علم جماعة قنديل و صور زعيمهم. في عندنا كتير أعلام و صور موجودة بالقبو. بدي منك تخلق ضجة كبيرة و لازم تخلي أصدقاءك على الانترنت يشاركوا كل شيء و يعلقوا عليها و كمان أنت فيك تنشر هذه الصور و تضعها كتعليق على كل الصفحات و المجموعات.
– حاضر سيدي فهمت عليكم. رح اولعها.
– ممتاز. هلق انصرف و خلي العنصر أبو علي يجي لعندي.
– تحياتي سيدي.
بعد خمسة دقائق دخل العنصر أبو علي و ضرب بقدميه على الأرض :” أحترامي سيدي”.
– ادخل يا ابني و أقعد هنيك.
– شكراً سيدي.
– عملت الحسابات يا ابو علي؟
– نعم سيدي، عملت، بس مافي كتار من الجماعة على الفيسبوك.
– إشقد إلك أصدقاء على أكبر حسابك؟
– سيدي تقريباً شي الفين واحد.
– أصبح لازم تنشر شغلات بالكردي كمان، ها الجماعة بيستخدموا كردي كتير. ممكن تستفيد من العنصر اسامة المارديلي هو بيعرف كردي منيح.
– تمام سيدي.
– صار وقت شغل الجد يا أبو علي.
– أنا جاهز لكل شي سيدي.
– بدي منك تبلش تشن هجوم على جماعة الاقليم و مسعود و جماعة البارتي و المخربين. اشتم على حساباتك رموز الاقليم و بيشمركة وتمسخر عليهم وانعتهم بكل شيء قذر. و قل فيهم بأنهم خونة و جبناء وعملاء لتركيا و صدام و ايران و لا خير منهم… طبعاً لازم تجمع بعض الصور المهمة تستفيد منهم و كذلك حاول لكي تقنع أصدقاءك على الحسابات لكي يشاركوا منشوراتك و يؤيدوها و يدعموك.
– تمام سيدي.
– و امرق على أمين السر ميشان تأخذ منه ضبط إفادات جماعة البارتي. و كمان اعملوا بعض الوثائق والملفات الممهورة والموقعة لحتى تكون مقنعة.
– تمام سيدي فهمت منيح.
– تمام هلق فيك تنصرف و ناديلي على الحاجب الزفت خليه يسخن المي ميشان المتة.
* * *
بعد شهر
كان أبو حيدر يقرقر المتة و هو يتصفح الأنترنت و يقهقه فيهتز كرشه و خدوده المتدلية مثل الكلاب الدانماركية. كان يتابع نجاحات عنصريه جعفر و أبو علي. كانت حرب الفايسبوك في اوجها بين الكرد و الكل يشتم الكل.
اتصل أبو حيدر على العنصر جعفر و قال له: ” جيب معك أبو علي و تعال فوراً للمكتب”.
بعد دقائق كان دخل جفعر و أبو علي و بعد تقديم التحية جلسا بناء على إشارة أبو حيدر الذي وجه إليهما سؤاله:
– كيف تسير الأمور؟
جعفر: سيدي شغلنا تمام التمام. هلق كل جماعة البارتي و التابعين للاقليم ما عندهم شغل غير يشتموا جماعة قنديل و صالح مسلم والانفصاليين.
أبو علي: سيدي شغلي كمان عال العال، و الشباب ما بيقصروا و نازلين سب و شتم.
أبو حيدر: برافو عليكم يا شباب. عملتوا شغل منيح. فيكم تأخذوا إجازة و تروحوا للضيعة.
جعفر: سيدي و شو نعمل بالشغل و المهمة؟
أبو علي: سيدي ما بيصير نتبع المهمة بالضيعة، بصراحة عجبتني الشغلة؟
أبو حيدر: لا مافي داعي. أنتو مهمتكم حالياً خلصت هون.
جعفر و أبو علي (و هما حائرين): سيدي كيف خلصت يعني نوقف الحرب بيناتهم؟؟
أبو حيدر: ولك لااا. شو نوقف الحرب بيناتهم؟ أنا بعرفهم منيح للأكراد، فقط لازم تشعل بيناتهم و هم يقومون بالتالي و ما بيقصروا كمان… أهم شي لازم نكتم الأصوات العاقلة بينهم و نترك الباقي للعامة حتى يعمقوا الصراع و يتفننوا فيها.
* * *
كان يسبح و يحمد باسم الله و يحك لحيته الكثة التي لم يتعوض عليها كثيراً و يلمس شاربه الحليق، يعمل كل ذلك وهو يرتشف كاسة الشاي. نادى على مرافقه الجالس في الغرفة الأخرى: ” يا أبا قتيبة، نادي لي الاخوة أبو خالد وأبو عبدالله الهادي. وبالله عليك أأتي لي بشايٍ طازج… ” أمرُك مُطاعٌ شيخنا”.
التعليقات مغلقة.