هل سيظل ترامب نصيراً للكرد؟!
علي شمدين
خلال حملته الانتخابية، وفي ردّه على مراسل جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية أواسط تموز 2016، قال مرشح الرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري الملياردير دونالد ترامب: (أنا الداعم الأكبر للكرد في محاربة تنظيم داعش، أنا من أنصار الكرد..)، جاء هذا التصريح في وقت كان معظم التوقعات تستبعد فوزه بهذا المنصب الخطير لدولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، وهو المنشغل بعالم الاقتصاد بعيداً عن كواليس السياسة، وهذا ما كشفته تصرفاته وتصريحاته المثيرة للتهكم حتى من أقرب مستشاريه الذين تخلوا عنه في منتصف حملته الانتخابيّة التي بلغت وبشكل غير مسبوق أقصى درجات الحدّة والتجريح مع منافسته عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلنتون.
لم يهتمّ الكرد آنذاك بهذا التصريح كثيراً، لأنّه جاء في خضمّ موجة من التصريحات الارتجاليّة المتناقضة التي أطلقها، ولكنّه اليوم وقد حقق مفاجأته الكبرى بهذا النصر المذهل للجميع، محققاً فوزاً ساحقاً لم يصدّقه حتّى أنصاره ناهيك عن خصومه، إلى أن سارعت منافسته إلى تهنئته بنفسها، فكيف سيتعامل ترامب السياسي مع شعاراته الانتخابيّة التي كان يديرها بعقليّة تجاريّة، وهل سيظل حقّاً من أنصار الكرد؟!.
ليس من المنطق الحكم على هكذا شعارات إلّا بالأفعال عادة، خاصّة وأنّ النظام الأمريكي لا يحصر القرارات المصيريّة بالرئيس فقط رغم أهميّته، وإنّما تشاركه مؤسسات عريقة أخرى وفاعلة كالكونغرس والبنتاغون.. ولذلك لابدّ من الانتظار أشهر أخرى إلى أن يتسلم الرئيس مهامه رسميّاً، وإلى ذلك الحين، لا يسعنا إلّا التريث إلى أن تأخذ شعاراته طريقها إلى التطبيق، لأنّه وكما أسلفنا فإنّ الشعارات التي تخللت حملة ترامب الانتخابيّة افتقرت إلى الكثير من المصداقيّة لأنّها جاءت مشتتة إلى حدّ التناقض.
وبالعودة إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تقول بأنّه سيظل نصيراً للكرد، فهي تبعث على التفاؤل والارتياح لدى عموم الشعب الكردي، وخاصّة إنّها صدرت من شخص بات اليوم رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنّ المثير للقلق فيها هو اشتراط دعمه للكرد بمحاربتهم لداعش وغيرها من المنظمات الإرهابيّة التي هي قضيته الأساسيّة دون غيرها، كما إنّه يشدد بأنّه لا يوجد تقسيم لحدود دولة في العالم مالم يطالب بذلك شعبها، وما يؤكد توجّهه هذا هو تأكيده الصريح على أنّ الإطاحة بالأسد خطأ كبير، لأنّه سيتمّ استبداله بشخص أسوأ، وهذه هي النقطة الأساسيّة التي يراهن عليها ترامب في دعوته العاجلة لروسيا إلى إطلاق المفاوضات في هذا الاتجاه، الأمر الذي لن يبشر بجديد في هذا المجال.
فضلاً عن تصريحات ترامب السابقة المثيرة للسخط والاحتجاج الواسعين بسبب إشادته فيها بطاغية العصر صدام حسين في تصديه للإرهاب والحفاظ على الاستقرار في العراق، وبأنّ العالم سيكون أفضل حالاً لو أنّ الرئيس العراقي السابق صدام حسين والزعيم الليبي معمر القذافي لا يزالان في السلطة، والتي أبدى فيها عن استغرابه من ردّة فعل العالم تجاه قيامه بإسقاط صدام كمية قليلة من الغاز في حلبجة على حدّ زعمه، هذه المجزرة التي صارت بهول نتائجها الكارثية رمزاً لسياسة الجينوسايد ضد الشعب الكردي، الأمر الذي دفع بمحافظ حلبجة الشهيدة إلى الاحتجاج ومطالبته بالاعتذار، وهذه التصريحات لا يمكن لها أن تموت بالتقادم وإنّما بالتعويض عنها بالأفعال وليس بالأقوال كما اسلفنا.
ومن هنا لابدّ من التسليم سلفاً بأن عمق المفاجأة التي خلّفها فوز الرئيس الجديد، يعكس بالفعل جوانب حقيقيّة من الخلل في مدى أهليته كشخصية اقتصادية بعيدة عن الحياة السياسية الميدانية، ولكن في الوقت نفسه لابدّ من الإقرار صراحة بنجاح حملته الانتخابيّة بجدارة في استثمار جانب كبير من ردّة الفعل السلبية الواسعة التي خلّفها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بسياساته المترددة وراءه بين صفوف المجتمع الأمريكي خلال فترة رئاسته، والنجاح في دفع الناخب الأمريكي وكما وصفته جريدة الشرق الأوسط في تعليقها على فوز ترامب، نحو الاختيار بين السيء والأسوأ!!.
وفي كافة الأحوال، لازالت هناك فرصة تاريخية أمام الكرد بفوز دونالد ترامب، وهي مرهونة بالمبادرة إلى التفاعل معها بمسؤوليّة من خلال العودة العاجلة إلى العامل الذاتي وتحقيق وحدة الصف والكلمة الكردية، سواء على صعيد كردستان عموماً أو على صعيد كل جزء وضمن حدود خصوصيات نضاله، وخاصة في كل من كردستان سوريا والعراق حيث يواجه المقاتلون الكرد فيها حرب ضارية ضد منظمة داعش الإرهابيّة، ويسجّلون بدمائهم الزكيّة ملاحم بطولية في هذا المجال، والعمل يدا بيد من أجل فرض القضية الكردية على برنامج الحكومة الأمريكية الجديدة كقضية أكبر شعب في الشرق الأوسط محروم حتّى اللحظة من أبسط حقوقه القومية ناهيك عن حقّه في التمتع بكيانه الخاص وإدارته بنفسه، وإلّا فإنّ أقصى ما يمكن انتظاره من هذا الرئيس هو دعمه للكرد كمقاتلين شرسين يثيرون إعجابه في مواجهة داعش ليس إلّا، لأنّ مصالح بلاده وأمنها القومي تظلّ هي البوصلة الأساسيّة التي لا يمكن له أن يحيد عنها مهما كانت توجهاته أو قناعاته وهو لم يخفيها في خطاباته على مدى حملته المثيرة !!.
نشرت هذه المقالة في العدد 54 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/11/2016
التعليقات مغلقة.