الفساد على الطريقة الثورية

162
14958380_1449504131731095_1469549044_n
ابراهيم خليل

إبراهيم خليل

تحمل الثورات في أحشائها عادة بذور فنائها وانقضاء دولتها حتى قبل أن تنتصر على أرض الواقع، وتتوقف مدة دوام سلطة الثورة على “محافظتها على ثوريتها” ونقلها من الخنادق إلى المؤسسات المدنية. ولئلا يلتبس مفهوم نقل الثورة ويتخذ منحى غير مقصود أضيف: تقوم الثورات ضد اﻷنظمة الفاسدة، ولكل ثورة رؤية يؤمن بها أنصارها، وبعد اجتياز مرحلة العنف الثوري الذي ينجح الثورة ماديا، يقع على عاتق الثوار الحفاظ على روح الثورة وصيانة المبادئ التي قامت عليها وﻷجلها أعني إبقاء جذوة الثورة متقدة وضخ مبادئها النظرية ( ثورة ضد الفساد والظلم والعنصرية والتطرف) في شرايين المجتمع المدني على شكل أفعال وسلوكيات تعبر عن روح التفاني والتضحية لا أقوال وشعارات تتحول بمرور الزمن إلى أصنام في معبد.

من الموبقات السياسية تحول الحكومات الثورية إلى حكومات “اللا قانون”، هذه الحكومات التي تعني في بنيتها النظرية الفوقية المتفائلة : إن القوانين بشكليها الوضعي واللاهوتي من مخترعات الحكومات التقليدية البيروقراطية المتخلفة وهو صيغة جامدة لا يجب أن تتحكم في حركة الحياة ولذلك فإن قوانين الثورة هي التي ستصلح الكون على قاعدة “السوط للعصاة والرصاص للخونة والكعكة للمخلصين”.

أما في بنيتها العملية التحتية المتشائمة فتتحول حكومة اللا قانون إلى حكومة مرعبة قانونها الوحيد هو ” حذاري أن تقوم بعمل أو قول أو فكر مخالف ﻷهداف الثورة” وعلى تأويل مفردات هذا القانون الغامض والفضفاض يتعيش الانتهازيون والمخبرون والجهلة ممن يبرعون في اللعب على الحبال ويتقنون فنون الكذب والرياء والنفاق والمداهنة والمزايدة.

وأما الذين يفكرون بطريقة مختلفة فليس لهم أن يحلموا بمناظرات تلفزيونية ولا حتى إذاعية بينهم وبين خصومهم الحاكمين وإنما عليهم مواجهة “أنياب الثورة” العمياء من بوليس وجيش واستخبارات وجلادين، وهذه الشرائح – حتى مع افتراض إخلاصها – لا تميز بين الاختلافات الفكرية والسياسية بمقدار ما تميز بين طرق القمع ووسائل التعذيب وأدوات التنكيل.

 إلى اﻹدارات الكردية الحاكمة على ضفتي النهر:

“أعداء الثورة” ليس أولئك الذين يختلفون معكم فكريا وسياسيا ويرون الخير والحق من زاوية غير التي ترونها ويعبرون عن آرائهم ببوست أو مقال أو اعتصام أو مظاهرة بل إنهم أولئك الذين بلغت بهم الدونية أن يؤسسوا – بدوافع ذاتية مصلحية رخيصة – لدولة السلطة والمحسوبية والبيروقراطية القبيحة والآغواتية البائدة ويحركوا سيارات الثورة لنهب القرى والمناطق المحررة من داعش باعتبارها “مال سايب” لا يدخل في سجلات المال العام، وأولئك الذين جعلوا من معابر كردستان بقرة حلوب، ومن نفطها مزارع شخصية ومن مؤسساتها مصدرا للنفوذ و الرزق الحرام، لا للعمل والبناء، وفي الوقت نفسه تراهم يعلقون صور القادة على صدورهم وأكتافهم وزجاج سياراتهم المفيمة وجدران مكاتبهم الفارهة ويلوكون ليل نهار مفردات الثورة والشعب والشهداء والحرية.

الذين إذا شعروا أن هذه الكلمات تعنيهم بالذات بللوا لحاهم وسارعوا إلى الدفع بمرافعة لا علاقة لها بالاتهام : إنه يستهتر بدماء الشهداء ويعادي تجربة الكرد في الإدارة، لا بد إنه يعمل لصالح أحدهم، لا بد إنه مأجور يقبض بالليرات التركية أو الدنانير الخليجية أو الريالات الإيرانية … فيهز المستمعون من جهلة الحاشية قرونهم ويقذفني أحد فصحائهم – ممن لم يحمل في حياته سلاحا أو لبنة أو قلما – بمثل عربي رائع كنت أحبه كثيرا فيما مضى وهو : “القافلة تسير والكلاب تنبح”.

نشرت هذه المقالة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress”

1/11/2016

14937091_1448302155184626_1274511262_n

التعليقات مغلقة.