سوريا والتحرر الذاتي للكرد والسنة

21

“ولابد من إجراء التغييرات الجيوسياسية في المنطقة بما أن النظام السوري الجديد الذي هو في طريق الانبثاق أو التشكل بفعل ما فرضته الثورة السورية والمتناقضات بين الأنظمة الاقليمية والدولية يسير في اتجاه الاستقرار على واحد من هذه الخيارات:

%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d9%88
عبد الحميد التمو 

الأول: وهو إقامة نظام اتحادي فيدرالي يضمن حقوق المكونات ضمن أقاليم فيدرالية.

الثاني: تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات كردية سنية شيعية”

 تعيش الدولة السورية في يومنا أزمة مستمرة وعميقة في كل المجالات, بسبب التناقضات التي تشكل أكبر أثر على الأزمة السورية, حيث أن تطور الثورة السورية وتصاعد حركات التحرر الوطني الكردية, والسنية ,في داخل الجغرافيا السورية, وفي الدول الاقليمية المرتبطة بالمكونات السورية, عبر انتمائها القومي والطائفي, أدى إلى تأجيج القضايا الاجتماعية والسياسية المؤجلة في الشرق الاوسط وأن نضالات التحرر الوطنية الكردية والسنية التي ولدت في ظروف الثورة السورية وعلى أسس معاصرة وفي خضم الأزمة الاقليمية العميقة قد دخلت مرحلة تطور سريع ناتج عن نضج الظروف الموضوعية للتحرر الذاتي.

إن الخوض في الاستحقاقات المترتبة على تغيير المعادلات الأساسية التي قامت عليها الحروب في سوريا, والتدخل الروسي والإيراني والتركي وظهور معايير واعتبارات دولية جديدة ومؤثرة سياسيا” واقتصاديا”, لابدّ من أن نأتي على العامل الحاسم والطارئ والأهم في هذا السياق وهذه المرحلة وهو الواقع السوري الجديد الذي فرضته الثورة السورية, وحركاتها التحررية حيث باتت سوريا الآن مقسّمة إلى أجزاء تتحدد تبعيتها الجغرافيا والسياسية من خلال انتمائها الديني والقومي:

– مناطق تحت سيطرة النفوذ الاسلامي ” أصولية سنية ” ويعتبر المكون السني الحاضنة الأساسية له وهو ما يمكن أن نطلق عليه مناطق نفوذ سنية مدعومة من الخليج العربي وتركيا.

– مناطق تقع تحت سيطرة النفوذ القومي ” أصولية كردية ” ويعتبر المكون الكردي الحاضنة الأساسية له ونطلق عليها مناطق نفوذ كردية مدعومة من الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا.

–  مناطق تقع تحت سيطرة تنظيم الاسد “أصولية شيعية” وهي مختلطة تضم علويين ومسيحيين ودروز ونسبة ضئيلة من السنة ويعتبر المكون العلوي والمسيحي الحاضنة الأساسية له ويمكن أن نطلق عليها اسم مناطق نفوذ شيعية مدعومة من روسيا وإيران.

إن الغوص في حقيقة تكوين هذه المناطق وإلقاء نظرة متعمقة إلى مختلف التجمعات, تحت أية صفة كانت, كفيلة لإدراك أنها وجدت لخدمة مفاهيم وسياسات, ومصالح محددة ومشتركة, تم تصويرها وتحديدها مع بداية الثورة السورية, بين الأنظمة الاقليمية والدولية, وذلك من ضمن مفاهيم وسياسات ومصالح كثيرة غير مشتركة, تبقى نقاط خلاف وعوامل اختلاف تطفو وتتفعل في الوقت المواتي.

مع وجود هذه التناقضات التي كانت السبب الرئيسي في التقسيمات المؤقتة للدولة السورية والتي قد تكون أرضية مناسبة للبدء في طرح مشاريع أكثر واقعية تنسجم مع طموحات وتطلعات الشعوب في المنطقة وممارسة العمل التحرري الثوري الذي يحتاج إلى نظرية ثورية تتحول فيما بعد إلى قوة مادية حيث أنه بات التنظيم والانطلاق إلى النضال العملي على ضوء سياسة ثورية ضرورة ملحة جدا في سوريا فقد ساعدت الظروف إلى خلق أصولية سنية وأصولية كردية ومن أجل التغلب على كل المفاهيم الخاطئة والجمود السياسي لابد من خلق مشاريع سياسية صحيحة ومتناسبة مع الظروف الموضوعية الراهنة بما تتطلبه مصاعب هذه المرحلة وتعبر بشكل واضح عن الهوية سواء كانت دينية سنية أو قومية كردية فأمم الأرض لم تكن يوما متحدة ولم تخلق لتكون كذلك بل ولم تخلق أسباب وحدتها بقدر ما خلقت أسباب تنوعها وتمايزها

وأتحدث هنا عن السنة والكرد باعتبارهم الضامن لأمن واستقرار المنطقة وذلك لسببين:

الأول: المرجعية الدينية بين الشعبين إذا ما نظرنا اليهم من جانب الانتماء الطائفي وليس القومي حيث أن وحدوية المرجعية الدينية أدت إلى وجود تشاركيه ثقافية واجتماعية فيما بينهم

والثاني: لأنهم الشعبين الأكثر انتشارا في المنطقة الاقليمية ومن أكثر الشعوب التي لا تملك لغاية الآن دول تعبر في تسميتها عن هوية شعوبها, مثال الدولة السنية والدولة الكردية فقد تم اجتياز الوضع القديم في يومنا هذا ولابد من اجراء التغييرات الجيوسياسية في المنطقة بما أن النظام السوري الجديد الذي هو في طريق الانبثاق أو التشكل بفعل ما فرضته الثورة السورية والمتناقضات بين الانظمة الاقليمية والدولية يسير في اتجاه الاستقرار على واحد من هذه الخيارات:

الأول: وهو إقامة نظام اتحادي فيدرالي يضمن حقوق المكونات ضمن اقاليم فيدرالية.

الثاني: تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات كردية سنية شيعية.

وللاستفادة والتحضير للنظام السوري الجديد لابد من تجاوز حالة الركود التي تعيشها الحركة الوطنية الكردية والسنية, وشكلت مصدرا للمشاكل الأخرى ألا وهي مسالة القيادة, فجمعت كل القيم ودفعتها للحرب من أجل مصالح زمرة من الأحزاب والشخصيات التي تمثل الطرفين والتي تعبر عن مصالحها ولا تجسد طموحات الشعوب بتاتا حيث إن هذه القيادة اتبعت نهجا وايدولوجية أحادية خاطئة وطبقت أساليب نضالية قد لا نتفق معها في هذا الوقت إلا أننا نستطيع تحقيق مصالح الشعوب الكردية والسنية من خلال إصلاح الأخطاء وتغيير الايدولوجية وأساليب النضال والانطلاق من مبدأ التشاركية في العمل والتأكيد على توحيد الموقف فإن عدم وجود موقف موحد وصوت موحد يمثل القضية الكردية والسنية في سوريا كلا” على حدا يعطي مبررا منطقيا للأطراف الأخرى لعدم التعامل مع أي موضوع أو قضية على أنها قضية قومية أو دينية تمثل شعوب بحاجة للاهتمام والحل.

ومع هذه المتغيرات المطلوب الآن من كلا الطرفين السني والكردي من خلال ممثليهم السياسيين والثقافيين والاجتماعيين إنماء العلاقات الودية على أسس المساواة بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها والعمل على  تنظيم الجماهير وقيادتها التي تحتاج إلى تنظيم صلب يعتمد على استراتيجية قوية تمكّنه من تحديد صحيح للقوى الصديقة والمعادية ويكون قادراً على إيجاد وتطبيق أشكال النضال التي تتطلّبها الظروف لأنه لا يمكن التفكير في وجود مشروع سياسي بدون استراتيجية وبدون تكتيك.

نشرت هذه المقالة في العدد (51) من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/10/2016

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af513

التعليقات مغلقة.