الحزام الكردستاني

34

على الطرف السوري دخل مؤخراً الجيش التركي الأراضي السورية محتلة مساحة كبيرة منها والغريب أن لا دولة عربية أبدت انزعاجها ولا أدانت هذا الاحتلال وكأن لسان حال الجميع يقول سراً لتذهب كل سوريا الأهم أن لا نرى اقليماً كردياً جديدا.

%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af%d9%8a-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%8a
أحمد موسى

شغلت تسمية ( جمعة آزادي ) جدلاً واسعاً بين أوساط الساسة القوميين الرافضين لوجود غير العرب والتي أطلقتها الثورة السورية على أحد الجُمع الأولى من عمر الثورة، ليفتش السوري على صاحب الكلمة، الذي واجه حقيقة شعب مغيّب تماماً عن الساحة وهم الكرد. أدرك الجميع المعنى المبطن، الذي اختاره الكرد المشتغلون في الثورة وهي مطالبتهم الحرية.

مرّ عامٌ على الثورة السلمية والتي تحولت إلى مسلحة، وتشكل الجيش الحر، بدأ بعملياته ضد النظام في كل سوريا، وصلوا إلى سري كانيه وهناك طعنوا الكرد في علمهم. وبدأ الكردي جدياً التفكير في تشكيل قوة رادعة تحميه. شكلت بعض الأحزاب الكردية في سوريا كتائب عسكرية لم تكن على تنسيق مع بعضها. واجهت هذه القوة المتشكلة حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السياسي في سوريا للحزب الأم حزب العمال الكردستاني الذي شكل بدوره قوات حماية الشعب أرغمت الكتائب على تفكيك نفسها. وبدأ وحيداً في مواجهة الإسلاميين في معركة في سري كانيه. كبر هذا الفصيل العسكري YPG ليتحول بعد عامين إلى قوة يستند عليها التحالف الدولي مؤخراً في معاركه مع التنظيم الإرهابي « داعش ». وهذا الأخير الذي احتل مدينة الموصل في ساعات واضعاً يده على سلاح نوعي متطور وكثير يكفي لخوض حربه لأعوام عدة. وسرعان ما دخل هذا التنظيم الارهابي منطقة شنكال الاستراتيجية وقام بالمجازر الفظيعة بحق سكانها.

أمر رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني بمواجهة « داعش » وطرده, لكن الأخير ما لبث إن هاجم بقوة كبيرة هولير العاصمة حتى كادت تصل على أعتابها. بدأت مواجهات بين قوات البيشمركة وهذا التنظيم في العمق الشنكالي الذي بات شرهاً لقضم المدن الكردية واحدة تلو الأخرى فتوجهت الى مدينة كوباني لتحتل ثلاثة أرباع المدينة. لم يكن أمام القوات الكردية وحدات حماية الشعب سوى مواجهة هذا التنظيم. شعرت الدول العظمى بخطر هذا التنظيم عالمياً واتخذ البرلمان الكردي قراراً بإرسال قوات البيشمركة إلى المدينة مؤازرة إخوانهم . وفي مدة ليست بقصيرة تم تحرير المدينة كاملة بتعاون طائرات التحالف الدولي ومقاومة وحدات حماية الشعب وقدوم البيشمركة التي قامت بمهمة التحرير وعادت لكردستان العراق.

مرّت أربعة أعوام من عمر الحرب في سوريا والعراق اللتان تواجهان تنظيم « داعش » وبرزت خرائط عدة للمنطقة. تلك الخرائط كانت في غالبيتها من مكاتب استراتيجيات أمريكية وأوربية. ودار حديث دفن سايكس بيكو، ووسط خلافات أوصلت هولير وبغداد إلى نهاية النفق بينهما، أشهرَ الرئيس مسعود البارزاني سيف قطع الاقليم عن العراق حلم الدولة الكردية وهي قريبة.

على الطرف السوري دخل مؤخراً الجيش التركي الأراضي السورية محتلاً مساحة كبيرة منها والغريب أن لا دولة عربية أبدت انزعاجها ولا أدانت هذا الاحتلال وكأن لسان حال الجميع يقول سراً لتذهب كل سوريا والمهم لنا أن لا نرى اقليماً كردياً جديدا.

حصل جدل كبير حول صحة السيد عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، المعتقل في سجون الفاشية التركية مما دفع بالنظام التركي إلى تسهيل زيارة أخيه له. والأخير جلب معه على لسان أخيه التفاوض من جديد مع الدولة التركية وتفعيل السلام قبل أن تمتد الحرب لعقود كثيرة. وصل السيد صلاح الدين ديمرتاش على رأس وفد كبير إلى الإقليم في سعي للمصالحة بين الاحزاب الكردستانية ولكن المهمة المخفية هي تفعيل عملية السلام الذي طرحها القائد أوجلان من سجنه في إيمرالي.

يدرك المراقبون السياسيون جيداً أن كردستان سوريا والعراق مصيرهما أن يصبحا (حزاماً كردياً) يفصل بين «داعش» ومنطقة جنوب حلف الناتو ولربما يلتصق الإقليمان. وتركيا أدركت بدورها أن خطر هذا التنظيم لن يستثنيه أبداً فما أن تحتل قامشلو حتى يكون بعدها ديار بكر ومن ثم اسطنبول وستجلس في باريس ولندن وموسكو. لهذا على عاتقها إبعادها عن حدودها على أقل تقدير مائتي كيلومتر وكذلك التحالف الدولي الذي يدرك حجم هذا الوحش الأسود فرتب قراره الأخير أن يكون حليفاً وداعماً للكرد في حربه ضد الإرهاب .

أمام إقليم كردستان العراق مهمة صعبة وتتمثل في إبعاد التنظيم عن كردستان وزجه في الصحراء بين العراق وسوريا وبذلك يؤمن حماية موقعه الجغرافي لتتسلل الشركات التنموية والضخمة اليها مرة أخرى وتزويد البيشمركة بالسلاح الثقيل والمتطور وتدريبهم وإقحامهم كجزء من العسكر الدولي. أمام تركيا خيارها الاستراتيجي وهو كسب الكرد في سوريا والعراق وجعلهما الحديقة الخلفية الاقتصادية لها بدءاً من حلب الى كركوك، ستكون بإدارة الكرد فعلياً.

وتبقى العقبة الوحيدة أمام هذا المشروع هو أن يسارع حزب العمال الكردستاني بتوقيع وتبني عملية السلام المطروحة جديداً مع تركيا، ويبعد التنظيم الارهابي كثيراً من حدود جنوب الناتو لتستقر المنطقة الكردية في سوريا من عفرين إلى عين ديوار ولكن ستكون بشروط أمريكية وقوات التحالف وما عليها سوى أن تبدل سياساتها وسلوكها الاستبدادي الشمولي وهي بالأصل حزب براغماتي متبدل حسب الظروف. وعليها ان توقع على التشارك مع الخصوم السياسيين ولن يحق لها أن تكون متفردة الى مالا نهاية بل هي مسألة وقت لن تدوم أكثر من عامين. فالشركات الكبيرة والهيئات الدولية وحالات التنمية ستبدأ بعملها ما أن حصل هذا الاتفاق وسنشهد عودة المهاجرين من كوردستان وتركيا ودفعات من أوربا حيث سيكون البقعة القلقة تحولت الى أأمن بقعة في الشرق الأوسط. وجميع القادات في العالم المتحضر قد وهبوا الثقة بالكرد لشجاعتهم ووفاءهم ويدركون جيداً أن في النهاية ستكون مفاتيح الحل للقضية الكردية في سوريا والعراق وتركيا في يد رئيس اقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني .

التعليقات مغلقة.