قامشلو وأنقرة.. إلى أين؟

25

 

هنا سأستذكر جملة قالها لي ابي وقائدي (القيادي الراحل اسماعيل حمه):” السياسة هي ان تكون على نفس المسافة من جميع الأطراف المؤثرة في المعادلة السياسية وعلى ارض الواقع، وأن تكرّس هذا الشيء في خدمة المصالح العليا للشعب والقضية.. وان لا تكون ممارسة السياسة عبارة عن ردود افعال لامسؤولة، فالسياسة تعني ان تحاول تحقيق أكبر قدر من المكتسبات والمصالح بأقل الخسائر الممكنة.. وان لا تفضّل شخصك على المهمة والمسؤولية الموكلة اليك من شعبك لأجل قضيتك”

%d8%af%d9%8a%d8%b1%d8%b3%d9%85-%d8%ad%d9%85%d9%8a
ديرسم اسماعيل حمه

حقيقةً انه لا يخفى على أي متابع ومراقب للشأن الكردي في سوريا أنه بعد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بدأت التوازنات السياسية والعسكرية تتغير تباعاً وبشكل كبير وغير مطمئن، وبرأيي أنها بدأت تُحدث خللاً وتحولاً كبيراً في المعادلة الكردستانية في سوريا، حيث أعتقد اننا سنشهد مستقبل صعب للغاية وخاصة في حالتنا السياسية والعسكرية الهشة الحالية والمعطيات والمتغيرات الأخيرة على الأرض..

فبعد فشل الانقلاب التركي وسيطرة طرف حزب العدالة والتنمية على الدولة وتنحية الجيش والقوات المسلحة من الشراكة في الحكم، تغيّرت المعادلة السياسة التركية تغييراً كبيراً، فبدأت تركيا بحل خلافاتها مع الدول التي كانت تشهد علاقتها معهم توتراً وأولها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت أولى نتائج هذه التقاربات التركية مع أطراف المجتمع الدولي هو إعطاء الضوء الأخضر للأتراك بدخول الاراضي السورية بحجة محاربة داعش اضافة إلى استهداف قوات سوريا الديمقراطية تحت أنظار وموافقة المجتمع الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ..وهذا للأسف يعني ان كردستان سوريا “روجآفا ” على حافّة هاوية شديدة الانحدار.. فبرأيي أنه وبعد التدخل التركي أصبح اقليم كردستان سوريا الموحد مستحيلاً وضرباً من الخيال، وذلك لقيام تركيا بالفصل الجغرافي ما بين كوباني وعفرين بسيطرتها على جرابلس وتوسعها المستمرّ والكبير في تلك المنطقة.. أي أنه برأيي – وأقولها بمرارة لا توصف- قد فقدنا عفرين في المعادلة الكردستانية السياسية المستقبلية للأسف.

كما أن الخطر قائم اليوم على كوباني أيضاً وذلك بسبب محاولة تركيا الوصول لتوافقات مع الولايات المتحدة الأمريكية لأجل معركة الرقة.. وهذا ما يتوضح أيضاً بالتحضيرات العسكرية والاعلامية التركية لأجل هذه المعركة المزعومة تحت مسمّى التحضير لمحاربة داعش وتحرير الرقة إضافة لـ “محاربة العمال الكردستاني ” بحسب التصريحات المستمرّة من الرئاسة والحكومة التركية وطبعاً ” ما خفي من نواياهم السوداء كان أعظم ” .. فإذا تم ذلك وتوصلت تركيا لهذا التوافق الخطير مع أمريكا وقامت بالتدخل في تل أبيض والسيطرة عليها حتى الرقة، فإننا في الواقع سنفقد كوباني أيضاً للأسف الشديد، وبهذه الحالة سيكون المشروع المتبلور كردياً كما يلي باعتقادي:

قد يتم إلحاق كوباني بالإقليم أو الدولة السنيّة التي يتم تحضيرها في المناطق السنية في سوريا والتي ستكون امتداداً للنفوذ التركي، كما قد تُلحق عفرين بالإقليم أو الدولة العلوية ” او ما يسمى اليوم بمشروع سوريا المفيدة “, وتبقى الجزيرة وحدها قد تُلحق بعد صراعات دامية جداً بالإقليم أو الدولة الكردية المترقب اعلانها في كردستان العراق في حال بقي فيها كرد في نهاية المطاف في ظل التغيير الديموغرافي الذي يحدث الآن لتلك المنطقة…وهذا ما استنتجه حسب تحليلي ونظرتي الشخصية للمعطيات والمتغيرات ومناطق توزيع النفوذ على الأرض.

برأيي أن المستقبل القريب يحمل انعطافات تاريخية وتحولات خطيرة تهدد الكرد والوجود الكردستاني في جزئنا الجريح من الوطن .. ورغم ذلك للأسف مازالت الاطراف الكردية السورية تمارس السياسة بردود أفعال مراهقة ولا مسؤولة وحسب ما أسميها شخصياً بـ”ميثولوجيا الولاء” وأقصد بها الولاء التاريخي والتبعية العمياء للأطراف الكردية الكبيرة في الأجزاء الأخرى من الوطن.. والتي استطاعت الأخيرة أن تنقل وتصدر صراعاتها الفكرية والسياسية المستعصية والقديمة الى الساحة السياسية والعسكرية في كردستان سوريا، فقامت عبرها بتكوين الإطار السياسي العام الذي رُسمت ضمنه خطوط السياسة الكردية السورية الحالية، وكانت هذه بداية المشكلة الحقيقية..

هنا سأستذكر جملة قالها لي ابي وقائدي ( القيادي الراحل اسماعيل حمه ) والذي كان نهجه بالحياة السياسية هو السعي لتوحيد الكرد تحت مظلة كردستانية واحدة لأجل الوصول للحرية والتحرر والاستقلال، فقد قال لي مرة بتعريف السياسة وكيف تكون الكردايتي فيها:

” السياسة هي أن تكون على نفس المسافة من جميع الأطراف المؤثرة في المعادلة السياسية وعلى أرض الواقع، وأن تكرس هذا الشيء في خدمة المصالح العليا للشعب والقضية.. وأن لا تكون ممارسة السياسة عبارة عن ردود أفعال لا مسؤولة، فالسياسة تعني أن تحاول تحقيق أكبر قدر من المكتسبات والمصالح بأقل الخسائر الممكنة.. وأن لا تفضل شخصك على المهمة والمسؤولية الموكلة إليك من شعبك لأجل قضيتك ”

والآن باستذكاري وتعليقي على هذه الجمل التي قالها أبي، أقول أنه هذه السياسة هي بالضبط ما نحتاجه اليوم في هذا الواقع المرير والحسّاس الذي نمر به وتمر به منطقتنا.

ولذلك يجب على الكرد في سوريا أن يتحركوا بشكل إسعافي لتوحيد الخطاب السياسي والسعي للتوافق العسكري الكردي على الارض في أسرع وقت ممكن حسب اتفاقيتي هولير 2/1 مع العمل الجاد للحصول على اتفاقات وضمانات بالتنسيق السياسي مع المحور الأمريكي- الأوربي المتمثل في التحالف الدولي الذي يدير المنطقة عسكرياً في الوقت الحالي بالتوازي مع العمل والتنسيق العسكري الموجود معه على الارض حالياً..

سأستذكر مرة أخرى جملة لأبي كان قد قالها في تصريح له قبل سنتين تقريباً: ” لو كان للكرد مرجعية سياسية موحدة وقوة عسكرية تحظى بتأييد شعبي وجماهيري كردي عام .. لهبّ العالم لنجدتنا، ولاستطعنا أن نحقق هدفنا بالتحرر والحياة الحرة الكريمة في وطننا الحر “.

لذلك يجب على الأطراف الكردية في سوريا أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية، وأن تتوحد جدياً للحفاظ على ما تبقّى من الوطن والمكتسبات القومية التي استطعنا أن ننتزعها في الفترة القريبة الماضية.

والا فإن الامور ستؤول الى خسارة كارثية كبيرة للغاية للشعب والمجتمع والقضية الكردستانية في سوريا يُهدد فيها الوجود الكردستاني في هذا الجزء من وطننا وارضنا التاريخية .

نشرت هذه المقالة في العدد (51) من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/10/2016

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af513

التعليقات مغلقة.