“نكاية” – جمانة حداد

97
جمانة حداد
جمانة حداد

كل يوم تطلع دراسة جديدة تشرح فوائد العقلية الإيجابية والابتسام وعدم الاستسلام لليأس. الفرح، على ما يبدو، يشفي الأمراض ويزيد النشاط ويخفف التوتر ويملّس البشرة ويحسّن الأداء الجنسي ويسرّع عملية الهضم ويطيل العمر! “يه! شو عم تحكوا يا عالم؟! عن جدّ؟”: كيف فاتتنا هذه المعلومة العجيبة؟ هيا. فلنبتسم ولنفرح إذاً أيها اللبنانيون واللبنانيات! ليت العلماء نوّرونا من زمان، لكانوا وفّروا علينا إضاعة وقت ثمين في العبوس بلا سبب.
اذا كنتُ “أتمسخر”، فليس عن سوء نية، بل عن حرقة قلب. اذ لا يسعني إلا أن أهزّ رأسي بتهكّم كلما اطلعتُ على دراسة من هذا النوع. أروح أفكّر: من أين لنا، نحن شعوب العالم المقهورة، أن نبتسم، أو حتى أن “نفتعل” الابتسام، بينما نتعرض يومياً للإذلال والانتهاك والإهانة في حقوقنا البديهية؟ من أين لنا أن نبتسم وثمة قتلى يسقطون يومياً في فلسطين مثلاً؟ في سوريا؟ في العراق؟ فضلاً عن القتلى المعنويين والفعليين الذين يتساقطون إما تفجيراً، وإما يأساً وإحباطاً وقلقاً ومرارةً وهجرةً في لبناننا “الفالت على حلّ شعرو”!
على رغم ذلك، أريد أن أبتسم حقاً، ومن كل أعماقي. لا تهكماً، بل فرحاً، وغصباً عن سلطة الواقع وجبروته. أريد أن أخترع الابتسامة. أن أقنع نفسي بأن الابتسام دواء. وبأني لا محالة سأشفى. كما سيشفى غيري، وهم ألوف مؤلفة من الفتيان والفتيات والرجال والنساء والشيوخ، فضلاً عن الأطفال الذين يولدون مكفّنين بالألم والجوع والفقر والمرض والتشرد والهزيمة.
“ليس مسموحاً الاستسلام”، يُقال. ولكن، ألا يقال أيضاً: “الحكي ببلاش”، و”يلّي إيدو بالميّ مش متل يلّي إيدو بالنار”؟ كيف نستردّ إذاً ابتساماتنا المسروقة، مع كل مفاعيلها الرجعية؟ كيف نسترجع أنا وغيري طفولاتنا ومراهقاتنا وشبابنا، وكل ما فاتنا من خفة وفرح؟ في أيّ بنك نصرف شيكات الخوف والعنف والغضب؟ لست أدري. لكني أعرف أنه ينبغي لنا استعادة ما سُرِق منا. بالأظفار. بالأسنان. بالنظرات. بالهِمَم. بالصراخ. بالعناد… وبالابتسام ربما.
فلنبتسم نكايةً بصنّاع الموت واليأس والتشاؤم ورافعي راياته في حياتنا اللبنانية والعربية، من أعلى السلّم الى أسفل درجاته.
فلنبتسم نكايةً بالفراغ، والانتحاريين، والكذبة، والمتاجرين بأعصابنا وحقوقنا.
فلنبتسم نكايةً بانقطاع الكهرباء، وفواتير المولّدات، وسيترنات المياه، وجُوَر الطرق، وعجقات السير.
فلنبتسم قليلاً. بل كثيراً. الى أن يصحّ الصحيح…
فلنبتسم. الى أن يكتشف عالمٌ ما فوائد العبوس، ومردوداته الإيجابية على القلب والبشرة والأعصاب!

joumana.haddad@annahar.com.lb
Twitter: @joumana333

 النهار

التعليقات مغلقة.