دعوني أتألم

57

 

 

طه خليل
طه خليل

في الفترة الأخيرة اضطررت لأخذ نقاهة منزلية، ولزمت الأرض، ما يقرب من الاسبوعين، كانت الآلام شديدة حيناً، وحيناً كنت أتغلّب عليها بأساليب علاجيّة ونفسيّة عديدة، كان مطلوباً منّي أن لا أتحرك كثيراً، وأقضي ساعات ممدّاً، حتّى تستقيم فقرات ظهري الّتي تبدو أنّها تعبت من كثرة ما مسّتها وريقات السنين، وأزاهير الانتظار. فمرّ بها طيش حرب.

وفي مثل هذه الحالة (كما لدى معظم الناس) يقوم الأصدقاء بزيارات اطمئنان، وبعض الجيران لقتل الوقت، والجلوس جنب رأسي ليحدّثوني عن تعبهم، وعن الغلاء، وعن ” الوضع بسوريا وروجآفايي كردستان ” وعن بلدية الشعب التي تقطع المياه عن المواطنين “قصاداً” وعن انتظارهم ورقة “شم لمل” التي سيرسلها لهم أطفالهم القصّر بعد أن أوصلوهم إلى بلاد الخالة ميركل، بعضهم كان يحدثني عن الـ”ENKS” وما تفعله، وكنت أتأوّه من الألم فيعتقدون أنني أوحي لهم بأن ينتظروا وقوفي على رجلي، كي أنظف روجآفا من دواعش “الكووورد” الذين يرقصون على طبلة سيدهم العثماني، وبالطبع كان عليّ رغم الحالة أن أقوم إلى المطبخ لأعدّ لبعضهم الشاي أو القهوة، فيطفئون سجائرهم في الفناجين والكاسات وينهضون، يتركونني وحيداً، كسيجارة مبللة في نصف كأسٍ من الشاي، وكي لا أكون هاضماً لحق بعضهم، فإنّ منهم من قدّم لي الكثير من العون والمساعدة، لاسيّما من أصدقائي صيادي السمك والطيور.

كل ذلك تعودت عليه، ولم أتأفف كثيراً، لكن ما لم أفهمه، وما كان يقهرني أنّ لا أحد منهم سمح لي أن أتألم أمامه، أو استمع إليّ حين أردت أن أحدثه عن الوجع الذي أعانيه، فما أن كنت أبدأ بقول: “افف اليوم ازداد الألم في الفقرة الــ… “…  ليقاطعني أحدهم قائلا: ” اممممم هذا ليس شيئا مهمّاً، إنّ هذه الفقرة أحياناً تؤلم من الجلوس، فقبل سنوات أصبت بحادث، حين اصطدم بسكليتي بموتور 3 دواليب، بقيت شهراً أشعر أنّ ظهري سينفجر، وأنّ فقراتي قد صارت رماداً، ويومها أخذوني إلى خانا سرى عند…. ” فيقاطعه آخر:” يا سيدي قبل سنة كنت في المطبخ ، وحين مدّت زوجتي يدها لتنزل ” طنجرة الضغط ” من على الرف، سقطت الطنجرة على ظهري.. وبقيت خمسة أشهر أعاني، وأتوجع وذات يوم جاء شخص بالصدفة ونصحني أن أستخدم زيت الزيتون وجذور الكمبر و… ” فيقاطعه الثالث:” لا هذا ليس شيئاً، ذات مرّة كنّا في اجتماع حزبي، فجاءت دوريّة أمنية لتعتقلنا، فهربنا، ورميت نفسي من الشباك، وسقطت على ظهري، يا سيدي بقيت سنة ونصف أعاني من الآلام ، حتى جاءت جارتنا وبيدها عشبة، وقالت.. فيقاطعه الأول موجّهاً كلامه لي :” ماموسته ما حدث لك ليس خطيراً ومؤلماً كما تعتقد..”.  ويبدأ يقمع ألمي.. ويضغط على جرحي.. ويهدّ ظهري لينهي كلامه قائلاً:” علينا أن ننهض ربّما يريد الماموسته أن يرتاح قليلا.” وينهضون.

أظلّ وحيداً، أتتبع أخبار منبج وجرابلس وعهر الدولة التركية الفاشية، وأمرّ على كتابات ” المعارضين الكووورد ” لتستمرّ موجة الألم، والوحشة، وحشة الجريح الذي لا يستمع أحد لألمه، و وحشة البشر المعذبين على أرض كردستان، ووحشة خونة تاريخيين يتلذذون بكثرة شهدائنا، بل ويدعون لقتل شبابنا وشاباتنا لتعمّ الديمقراطية سوريا ويحصل ” الشعب الكوووردي على حقوقه القومية ” من ط…. تنزيل هانم التي انجبت السلطان.

 

التعليقات مغلقة.