شاب سوري يتسلق أعلى قمة أوروبية …من أجل اللاجئين
لم يختر الشاب السوري نعوم صايغ ابن الثامنة والعشرين سنة أن يكرر نشاطه السابق أيام الدراسة في الجامعة الأميركية حيث جمع وزملاؤه مبلغاً من المال لدعم اللاجئين السوريين في لبنان. هذه المرة أتاحت هواية نعوم والظروف أن يكون جزءاً من حملة جمع تبرعات لمصلحة جمعية «بسمة وزيتونة» التي تهتم باللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم في لبنان.
يهوى صايغ النشاطات الرياضية منذ صغره، فهو دراج محترف يتنقل على متن دراجته الهوائية التي لا تكاد تفارقه. كما لا يوفر نشاطات التسلق والسير. وتخبر ميرنا والدة نعوم كيف كان بكرها يتسلق خزانة الملابس صغيراً، وينتقل في أحد ممرات بيت العائلة مستنداً بيديه وقدميه على حائطي الممر بدل السير المعتاد على الأقدام، كما تتذكر شكوى معلميه في المدرسة من نشاطه الزائد.
جبل ألبرس Elbrus في روسيا، كان التحدي هذه المرة، فالجبل الأعلى في أوروبا والبالغ ارتفاعه 5642 متراً كان هدف نعوم ورفاقه، ومنذ البداية ربط نعوم رحلته الشخصية في تسلق هذا الجبل بحملة جمع التبرعات «ع طول الطريق» التي أطلقتها جمعية «بسمة وزيتونة».
وكانت «بسمة وزيتونة» اختارت العمل منذ أكثر من 3 سنوات في أصعب المناطق التي تتردد معظم الجهات المانحة في التواجد والعمل فيها، ونفذت البرامج الصعبة التي تتطلب إيماناً بقدرة اللاجئين على إحداث تغيير جذري في حياتهم من خلال جهدهم الشخصي وبعض الدعم.
وتستهدف حملة جمع التبرعات دعم ثلاثة مشاريع أساسية هي مشروع الإغاثة الذي يستهدف توفير مساعدات أساسية كالسلل الغذائية للفئات الأكثر ضعفاً المحرومة من مصادر الدخل، ثم مشروع المنح الصغيرة الذي يتضمن تدريباً في مجال إدارة الأعمال الصغيرة يليه توفير منح مالية للناجحين من المتدربين والمتدربات لإطلاق مشاريعهم التجارية الصغيرة الخاصة، كما تدعم الحملة مركز «بسمة وزيتونة» للثقافة والفنون في شاتيلا والذي يعمل على الحد من العزلة الاجتماعية وتوفير فرص للتعبير عن الذات والإبداع ونشاطات كالمسرح والموسيقى والرسم.
في مشروع المنح الصغيرة مثلاً تأتي قصة ملك، الشابة التي بدأت كعاملة في مشغل «بسمة وزيتونة» للتطريز، ولاحقاً بفضل المنح الصغيرة افتتحت مشغلها الخاص لتعمل فيه نساء الحي ولتباع المطرزات لاحقاً في كندا، وهو الأمر الذي صار ممكناً بفضل مبلغ بسيط لا يتجاوز 1000 دولار، أي المبلغ نفسه الذي يؤمن دفع إيجار منزل في شاتيلا لشهرين أو ثلاثة فقط، أو يؤمن سللاً غذائية لعدد محدود من العائلات. لكن في حالة ملك استطاعت أن تتكل على نفسها بدعم بسيط وتنتقل للإنتاج بدل أن تكون في حاجة إلى مساعدة دورية، وهو ما تتيحه حملة «ع طول الطريق» من فرص لنــساء ورجال كي يسيروا على خطى ملك والتحول إلى أفراد فعالين منتجين.
وصحيح أن مشاريع وبرامج «بسمة وزيتونة» عادة ما تكون مدعومة وممولة من جهات مانحة، إلا أن التبرعات الخاصة والدعم الشخصي توفر الحرية للمنظمة كي تطلق المشاريع الشديدة الأهمية للاجئين لكنها تقع خارج نطاق اهتمام الممولين لسبب أو لآخر، بالإضافة إلى كون هذه التبرعات عاملاً أساسياً في حفاظ الجمعية على استقلاليتها وقدرتها على رفض بعض شروط التمويل المجحفة.
صورت «بسمة وزيتونة» فيلماً تعريفياً عن الحملة مع صايغ خلال تدريباته في لبنان قبيل انطلاقه إلى روسيا، وحصد الفيلم قرابة 200 ألف مشاهدة في صفحة الجمعية على موقع فايسبوك، وأطلقت فكرة الربط بين الارتفاع الذي سيتسلقه والمبلغ المطلوب جمعه من التبرعات، وتوجهت الحملة للأصدقاء والمتبرعين بنداء للتبرع بخمسة دولارات فقط مقابل كل متر سيتم تسلقه.
الرحلة لم تكن سهلة بطبيعة الحال وتطلبت بداية تدريباً مستمراً ومجهداً، فتسلق جبل ما في لبنان لا يشبه تسلق جبل كجبل ألبرس حيث الارتفاع شديد والبرودة قارسة.
ولا بد هنا من التحضير الدقيق، فأي وزن زائد أو حمل لا لزوم له سيشكل عبئاً مجهداً في الطريق نحو قمة ألبرس، والوصول إلى ارتفاع شاهق كهذا يتطلب الوصول إلى ارتفاع 3 آلاف متر ثم النزول إلى ارتفاع أقل للسماح لجسم المتسلق بالتأقلم مع نقص الأوكسجين على هذا الارتفاع واختلاف الضغط الجوي والبرودة، وتكرار هذه العملية بين صعود ونزول حتى الوصول إلى الهدف.
على ارتفاع 5 آلاف و400 متر شعر صايغ ببعض عوارض ما يسمى بداء المرتفعات كالصداع والجفاف والدوار… التي تواجه المتسلقين عادة على ارتفاعات عالية، لكنه استطاع تجاوز هذه المشكلة بمرور الوقت وبعض العزيمة ليكمل مسيرته نحو القمة كما هو مخطط تماماً.
حملة التبرعات التي بدأت قبل فكرة ربط رحلة التسلق بجمع التبرعات انتهت مع وصول صايغ إلى قمة ألبرس جامعة مبلغاً يفوق الـ 56 ألف دولار، وهي ستسمح جزئياً باستمرار المشاريع التي انطلقت الحملة من أجلها، لكن يبقى باب المساهمة والتبرع مفتوحاً أمام الراغبين في دعم هذه المشاريع.
نقلاً عن :الحياة
التعليقات مغلقة.