الكردي المحاط بثلاثية العنصرية والمصالح والشقاق

28

هذا الواقع لو تزامن مع وحدة الصف الكردي في هذه المرحلة لكان المثلث المشؤوم منتهياً دونما رجعة،  ولن يكون  للقوى العنصرية تأثير كبير كما كانت في سابق عهدها لتفعل فعلتها العدائية، ومصالح الدول العظمى إلى الآن تتقاطع مع مصالحنا، أو أضعف الإيمان لا تتعارض معها، وتوفر القوة على الأرض … كل ذلك أنضح ثمرة النضال، والتي لا يمكن جنيها إلا بالوحدة وإنهاء حالة التشتت والتشرذم.

نصرالدين إبراهيم *

نصرالدين ابراهيم

لطالما عُرف الشعب الكردي بشجاعته وتسطيره  لأروع ملاحم التضحية والفداء ونكران الذات في تاريخه  ” قديمه وحديثه ” ، سواء أكان ذلك في محاولة منه لنيل حقوقه القومية المشروعة، وتحويل أحلامه إلى واقع ملموس على أرض الواقع، أو من خلال نكران ذاته خدمة لأخوته في الدين وفي الإنسانية ” الشعوب المجاورة “، والغريب هنا أنه رغم كل هذا التاريخ المجيد إلا أنه لم يكتب له النجاح في تحقيق أحلامه  القومية، والتي كانت تؤول إلى كوابيس مرعبة، تخلف أنهاراً من الدماء بحق أبنائه، وعلى يد من كان الشعب الكردي خير سند لهم، أو حتى مؤسسا لبلدانهم.

التاريخ مليء بالأمثلة الدامغة المؤكدة لما ذهبنا إليه بدءاً من بطولات الأيوبيين، وصولاً إلى ثورة الشيخ سعيد، مروراً بيوسف العظمة ” بطل ميسلون “، و كذلك كانت حال جمهورية مهاباد الفتية.

بالبحث في الخلفيات والمسببات التي رسخت هذه السمات في الذهن عن شعبنا المناضل نتوصل إلى نتيجة مفادها أن الشعب الكردي في كل مكان وقضيته العادلة كان دائماً محاصرا بمثلث فولاذي لم يتمكن إلى الآن من كسر أسورته المنيعة …. إنها ثلاثية ” العنصرية – المصالح – الشقاق ” .

فالأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في الدول المقتسمة لكردستان ومن خلال عقليتها الشمولية والعنصرية سعت دون كلل إلى النيل من محاولات الشعب الكردي لتمتعه بحقوقه القومية، حيث لم تترد هذه الأنظمة  باللجوء إلى الأعمال العسكرية المباشرة في قمع أية تحركات من الكرد ” انتفاضات أو ثورات “، وكذلك لجأت الى  اتباع سياسات شوفينية لصهر القومية الكردية في بوتقة قومياتها ” كما هي سياسات التعريب والتتريك، إضافة إلى إصدار الكثير من الفرمانات والمراسيم القاضية إلى نشر الأمية والجهل والخرافة والشقاق والصراع الداخلي بين الكرد.

ورغم العنصرية والشوفينية إلا أن الكرد غالباً ما كانوا مسلحين بروح المقاومة والنضال فكانوا يصمدون أمامها، ويفشلون مخططاتهم ولو بعد حين.

ليبرز بعدها في الأفق سياسة المصالح وحرق آمال الشعوب وطموحاتها  في حال تعارضها مع مصالح الدول العظمى والإقليمية، هذه اللعبة التي طالما لم يتقنها الشعب الكردي، إذ كان مبدئياً في نضاله وشعاراته، لتكون  منجزاته التي اكتسبها بالدم في مرمى نيران السياسة والدبلوماسية التي لا تعرف شيئاً سوى المصالح ولا تتعامل إلا مع المادة.

اتفاقية الجزائر عام 1975م كانت نتيجة لتقاطع مصالح الدول الإقليمية والدول العظمى فكانت الضحية التجربة الكردية الرائدة في كردستان العراق، وانهت  هذه الاتفاقية  تجربة الحكم الذاتي التي تحققت بنضالات الشعب الكردي في العراق سنة 1970م إبان ثورة أيلول المجيدة.

وقبل هذه التجربة أيضاً كان انهيار جمهورية مهاباد في كردستان إيران نتيجة نفس العوامل والتي يتقدمها تقاطع المصالح الدولية مع أعداء الكرد …فكانت التجربة وكأنها لا تعني للدول شيئاً أمام مصالحهم . على ما يبدو إلى الآن لم يتقن الكرد هذه اللعبة …

النقطة الثالثة ” مجهضة الحلم الكردي ” … الشقاق الكردي …

نعم ، فمهما كانت الظروف مواتية لتحقيق الأهداف ونيل الحقوق فإنها تغدو في مهب الريح مع وجود عامل الشقاق والفرقة بين الكرد، لدرجة أنهم باتوا يشتهرون بها، فكم من تجربة كردية أجهضت كضحية للخلافات الكردية، وكم من مكائد مررت ضد الكرد نتيجة الفرقة والتشتت وكم من فرص حقيقية أمام الشعب الكردي تبددت أيضاً لسبب الانقسام والصراع العشائري أو الحزبي…

انقسام الشعب الكردي وخلافاته وصلت في كثير من الأحيان إلى صراع دامٍ خلفت أجيالاً من الأحقاد، والكردي يسامح الجار، ولكنه لا ينسى فعلة أخيه، فيدوم الصراع، ويستفيد المتربصون بقضيتنا من هذه المأساة.

هذا واضح وجليّ في تجارب الكرد في تركيا والعراق وإيران، واليوم في سوريا …

اليوم، وبعد أن لاحت في أفق القضية الكردية فرصة تاريخية ليتمكن الشعب الكردي  أن تجاوز خلافاته من الوصول إلى مبتغاه وتحقيق أهدافه القومية، فحالة الصراع الدموي التي تشهدها سوريا وكل هذا الدمار في البنى التحتية، والتدخلات الدولية والإقليمية أفقدت الدولة السورية الكثير من سيادتها، فكل طرف بات يسعى لتحقيق أكبر قدر من مصالحه، وذلك وسط هجمة الإرهاب على الوطن السوري، وقد تصدى الشعب الكردي  لهذا الارهاب فكريا وسياسيا وعسكريا واصبح القوة الضاربة الرئيسة في تحالف دولي  ضد الارهاب، وبات الكرد وحلفاؤهم يسيطرون على مساحة جغرافية واسعة بعد ان طهروها من رجس داعش وغيره.

هذا الواقع لو تزامن مع وحدة الصف الكردي في هذه المرحلة لكان المثلث المشؤوم منتهياً دونما رجعة،  ولن يكون  للقوى العنصرية تأثير كبير كما كانت في سابق عهدها لتفعل فعلتها العدائية، ومصالح الدول العظمى إلى الآن تتقاطع مع مصالحنا، أو أضعف الإيمان لا تتعارض معها، وتوفر القوة على الأرض … كل ذلك أنضح ثمرة النضال، والتي لا يمكن جنيها إلا بالوحدة وإنهاء حالة التشتت والتشرذم.

ليس قدر الكرد أن يكونوا دائماً ضحية للفكر العنصري، وبعيدين عن تقاطعات المصالح، وليس مكتوب في قدرهم أنهم دائمو الفرقة والشقاق.

*سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)

نُشر هذا المقال في العدد (49) من صحيفة  buyerpress 

2016/8/15

مقالات 2

التعليقات مغلقة.