التعددية والديمقراطية

34

“العرب ينتمون إلى قومية تقارب ثلاثمائة مليون نسمة ويعيشون 7% منهم فقط في سوريا وكذلك القومية الكردية يزيد تعدادها عن خمسين مليون نسمة في المنطقة ويعيشون منهم فقط 7% ضمن الحدود السورية

 

محمد إسماعيل*

 محمد اسماعيل

التعددية القومية تعني وجود مجتمعات متنوعة ضمن دولة واحدة قد تكون مختلفة اثنيا أو دينيا، لكن إذا فشلت الدولة بممارساتها الاستبدادية والعنصرية في استيعابهم والعمل على إقصائهم وعزل تلك المجموعات سواءً القومية أو الدينية عن العملية السياسية ومراكز القرار، خاصة تحت شعار الوحدة الوطنية أي بسعيها على العمل على الوحدة من خلال التشابه أي بفرض القوة عليهم ويجعلهم متشابهين قسراً ويتخلى كل مجموعة عن خصوصياتها بعكس الوحدة من خلال التنوع أن يكونوا موحدين في وطن واحد ولكن لكل خصوصيته القومية واللغوية والدينية. ففي سوريا مثلاً كان والصواب أن يكون المواطن سوري الهوية بقوميته الكردية أو السريانية أو مسلم أو مسيحي أو ايزيدي.

ان أية هيمنة قومية أو دينية  تؤدي الى فشل الدولة الوطنية, لأنها ستكون نتيجة ذلك مواطنون من الدرجة الاولى ومواطنون من الدرجة الثانية، مما يؤدي بالمواطن المغبون بالمطالبة بحقوقه بكافة السبل ومنها التمرد وغيره مما يسبب عدم الاستقرار في البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

أما إذا كانت السلطة الحاكمة تعامل مواطنيها وفق عقد اجتماعي كما أسماه (روسو) فينال كل ذي حق حقه فرداً أو جماعة سواءً كان حزباً سياسياً أو قومية أو دينياً بذلك يقوم الكل بواجبه تجاه المجتمع والدولة على أكمل وجه بشعور المواطنة المفرزة والمحترقة وغير ذلك يضعف أواصر الارتباط بالدولة ولا يرى نفسه مديناً لها أو ملزماً بواجباتها.

فالمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على السلطة الحاكمة لأنها تستطيع توجيه المجتمع نحو المنحى السليم سواء من خلال المناهج المدرسية والتعليمية أو القوانين والتشريعات والمؤسسات المختلفة. وتوفير مناخات عمل منظمات المجتمع المدني ودعمها لأنها تصبّ في مصلحة الوطن والمجتمع. ففي سوريا العرب والكرد من المكونات الأساسية في المجتمع السوري من شعوب المنطقة أيضاً وان العرب ينتمون إلى قومية تقارب ثلاثمائة مليون نسمة ويعيشون 7% منهم فقط في سوريا وكذلك القومية الكردية يزيد تعدادها عن خمسين مليون نسمة في المنطقة ويعيشون منهم فقط 7% ضمن الحدود السورية، قوميتان مختلفتان في اللغة والعادات والتقاليد، ملتقيان في الدين والتاريخ المشترك في المنطقة.

من الذي يجعل السلطة تدّعي التمثيل للقومية العربية وهي تشكل 7% منها في هذا البلد وتلجأ الى أساليب وممارسات منافية لقواعد العدالة الاساسية والاعراف الدولية في القهر والاضطهاد والتجاهل، باسم ضرورات الوحدة الوطنية والأمن القومي وكلاهما يتحققان من خلال الإقرار بالحقوق القومية الكردية وبذلك تكسب مساهمتهم في الوحدة الوطنية والأمن، لأن المذل المهان لا يمكن صنع الوحدة والأمن هذا من جهة السلطات أما المعارضات التي تطرح نفسها كبدائل للسلطات الدكتاتورية لا زالوا يحملون مع شديد الأسف ذهنية السلطة في الاستيلاء على الوطن ويمارسون ما هو أبشع من السلطات أحياناً، ولم تحصل بعد على الثورة والثروة، كما أن خطابها لم يرقَ بعد لطمأنة المكونات الأخرى القومية أو الدينية أو المذهبية بل تتخذ طابع التجاهل أكثر من الاعتراف به.

أما المجموعات المسلحة التي تسيطر على مناطق مختلفة من سوريا منهم بخلفيات دينية ومذهبية ومنهم بخلفيات قومية سواء أكانت عربية أو كردية أو سريانية. كل له علمه الخاص ويمارس دكتاتورية أحادية أكثر من النظام.

مسلحوه يفرضون سلطات قسرية وقهرية أكثر إخافة لأخذ الأتاوات الباهظة مستغلين الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون، الأولوية لديهم توسيع دائرة النفوذ والاستيلاء على المرافق الخدمية والمراكز الاقتصادية ويعادون أي مشروع قومي أو وطني ويقمعون كل ممارسة سياسية حالية لصالح البلاد والعباد.

الدكتاتورية ليست لها قومية أو دين أو هوية، فالدكتاتورية باسم الكرد بدا أكثر شراسة من النظام بحق الكرد والقومية الكردية في المناطق الكردية، والدكتاتوريات الدينية بدت أكثر شراسة وصرامة من النظام مهما تلونت التي تؤدي إلى خلق أجواء عدائية وتسلطية ولا تقبل التعددية التي هي مظاهر التعددية التي تعني وجود عدة مكونات متعاضدة ووجود أكثر من حزب سياسي يحتكم إلى الشعب الذي يدلي برأيه بانتخابات تحددها وتقررها مرجعية شاملة وتتناوب الأحزاب من السلطة والمعارضة ويخلق أجواء ديمقراطية ومناخ ديمقراطي للمنافسة.

والديمقراطية لم تعد شعاراً تطرح للبحث فحسب بل باتت أسلوباً ناجحاً للحكم في معظم دول العالم ومطلباً ملحاً تتوجه إليه معظم الأمم وشعوب العالم خاصة تلك التي عانت من الأنظمة الشمولية والاستبدادية وآثارها المدمرة اقتصاديا وسياسياً واجتماعياً، وعانت من الويلات والآلام والنكبات، وصراعات دموية، إضافة إلى صور الملاحقة والتعذيب والدمار. ومظاهر الفساد والمحسوبية وقمع الحريات العامة. وإشاعة القوانين العنصرية. فبات التوجه إلى الديمقراطية من أبرز سمات عصرنا وأكثر إلحاحاً لمنع حدوث انتهاكات خطيرة وتكرارها وفي الحالة السورية لا يمكن الإيهام بأن الدكتاتورية ورفض التعددية تكون مقدمات لتحقيق الديمقراطية وكذلك في الحالة الكردية في كردستان سوريا, الاعتداء من قبل حزب معين على مقرات الأحزاب الأخرى بوسائل إرهابية أو غوغائية وفرض الأتاوات والاستيلاء على الممتلكات الخاصة للمواطنين بفرض لونه بالقوة والإكراه لا يمكن أن تؤسس الديمقراطية وأن تقبل بالتعددية. لأن بالتعددية والديمقراطية ومحاربة الدكتاتورية تبنى الأوطان والمجتمعات وتزدهر.

*المسؤول الإداري للمكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا 

نُشر هذا المقال في العدد (49) من صحيفة  buyerpress 

2016/8/15

مقال1

التعليقات مغلقة.