حياة ووطن ضائعان

73
شوقي-محمد
شوقي محمد – أكاديمي سوريّ

عادة لا تتحقق الصورة التي تتخيلها لنهاية الطريق حسب النيات التي بدأت بها. هكذا كانت حال السوريين عند بدء الاحتجاجات في سورية أواسط آذار (مارس) 2011، فالمآلات التي وصلت إليها الأزمة السورية اليوم لم يكن يتخيلها أحد في البداية، عندما خرج الناس ساعين إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وإطلاق بعض الحريات السياسية والقضاء على الفساد والاستفراد بالسلطة. وما يحدث اليوم هو امتداد للأمس، وما أحدثته الأزمة السورية من مفارقات مؤلمة له امتداداته في حياة السوريين قبل الأزمة، فسرعان ما طفت على السطح تلك المشكلات الداخلية المغطاة منذ عقود لتطغى على المشهد السوري وتعطيه جرعة سامة، ففتكت ببنيان المجتمع وكيانه وقلبت الطاولة على الجميع، إلى درجة باتت الأطراف كلها تتحارب من دون هدف واضح حتى أصبح القتال لغاية القتال ليس إلا. ذلك أن كل تلك الأهداف التي خرجت لأجلها الجموع إلى الشارع تلاشت تحت وطأة أجندات القوى التي فككت الثورة وأعادت تركيبها وفق ما يتماشى مع رؤاها ومصالحها، سواء الإقليمية أم الدولية، والتي اتخذ كل منها أطرافاً على الأرض تقود حرباً بالوكالة عنها إلى درجة لم تعد تدرك اليوم لماذا تتقاتل!

مسرحية الخراب والدمار لا تزال مستمرة ومعها آلام الحرب والنزوح والتشرد واللجوء وتشظي البنيان الأسروي التي هي عناوين عريضة لحياة ملايين السوريين، فأعداد القتلى تقارب النصف مليون والجرحى تجاوزوا المليونين ومئات الآلاف محاصرون وكثيرون مفقودون، ولم تسلم أسرة أو بيت من فاجعة، أقلها حياة الشتات وأصعبها فقدان عزيز.

لم يحرك أكثر من 2,5 مليون ضحية، بين قتيل وجريح، ضمير العالم للتدخل في شكل جدي لإيقاف المجازر اليومية التي ترتكب بحق السوريين، فالبلاد دخلت أتون حرب تدور رحاها لتهرس كل ما يقع بين حجريها أو يقف في طريقها مخلفة خسائر اقتصادية تقدر بأكثر من 259 بليون دولار، لكن الخسائر البشرية لا يمكن تعويضها في أي حال، فمن فقد طرفاً أو أصيب بإعاقة دائمة أو خسر أحد والديه أو أبنائه أو إخوته ليس له سوى الألم ومرارته يتجرعهما ما بقي حياً ولن تستطيع بلايين الدولارات أن تعيد الفرح إلى قلبه.

هاجس الخسائر البشرية هو الأكثر مأسوية في هذا الصراع في أشكاله المختلفة من خلال ما يتركه من كوارث داخل الأسر السورية وما يحفره من آثار سيئة في عقول أطفالها وأبنائها، ففوق خسارة البلاد أبناءها والأيدي التي بإمكانها أن تساهم في إعمار الوطن، فإن من تبقى منهم ليس بأفضل حال، فقد تركوا بيوتهم ومزارعهم ومصانعهم وأعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم وأصيب المجتمع بحال من التشظي، وتفتت البنيان ليعيش السوريون حياة ضائعة في متاهات وطن ضائع وليفقد أبناؤه شيئاً فشيئاً الأمل في حياة أفضل دفعوا كل تلك التضحيات العارمة لأجلها.

عن الحياة اللندنية

 

التعليقات مغلقة.