” طاولة الأكراد “
أمجد عثمان
أذكر جيداً في أواخر يونيو 2011 عندما شاركنا في مؤتمر سميراميس للمعارضة في دمشق اتجه #ميشيل_كيلو نحونا وهو يقول بصوت مرتفع وبلهجة المتكرم “سأجلس اليوم على طاولة الأكراد”.
بقي كيلو جالساً إلى جانبنا حتى نهاية المؤتمر الذي لم يذكر في بيانه الختامي كلمة واحدة حول الكرد وحقوقهم، رغم مداخلات كردية عديدة حول الحقوق القومية، حيث لم يكن ميشيل كيلو أو غيره يبدون أي تأثر تجاه المخاوف الكردية، فليس هناك ما يستدعي ذلك برأيهم، فمعظم المعارضين كانوا يعتقدون أن الثورة السورية ليس بإمكانها إسقاط النظام فحسب إنما راحوا يشرحون الفرق بين النظام والدولة ويدعون لترشيد القوة المتمثلة بالثورة ويحرصون على استهلاك فقط ما يكفي لتغيير رأس النظام، وبدؤوا يتصرفون وكأنهم يقبضون على مستقبل سوريا بأكمله ورسموا شكلها المطلوب ونفضوا منكبيهم.
خلال لقائنا بمعارض آخر هو #هيثم_المالح قبل الثورة وفي عام 2004 اختصر القضية وهو يتساءل كالواثق “هل سنعطي الحقوق الثقافية لكل من لديه دبكة أو رقصة”.
في الحقيقة كانوا ولازالوا يؤكدون لنا بمعنى من المعاني أن من يملكون القوة وحدهم لهم التأثير في المجتمع وبإمكانهم إحداث التغيير، وهذه القوة كانت ما لم تمتلكه المعارضة ولا الحركة السياسية الكردية آنذاك دون استثناء، ولازلت أذكر قبل عام 2009 أن مجموعة من القيادات السياسية الكردية سافرت معاً إلى #دمشق فقط من أجل اللقاء بأحد الكتاب المعارضين، لاشك أن اللقاء بالمثقفين والمعارضين أمر مهم ولكن المشكلة كانت في تركيز الحركة الكردية على بناء الجسور مع النخب المغلوب على أمرها فيتبادل الطرفان رحمة الضعفاء.
من المؤكد أن الحقوق لن تعطى لمن يمتلك دبكة ورقصة، خصوصاً إذا كنا نخاطب “عقلاً مستقيلاً” يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى حسب “الجابري”، وأما لماذا رقصنا لعقود، فلكي لا ننسى أننا نختلف كثيرا عن ميشيل كيلو وهيثم المالح، وأن لدينا لحن عميق مختلف داخل كل فردٍ منا، وإن لم تتحقق قوة أنغامنا على سطح الواقع فيما مضى فلأن الظروف لم تكن مهيئة لاستثمار القوة وإظهار الحقيقة.
ولكن الآن وإلى جانب الأنغام الكردية بات الأكراد يمتلكون آلاف الشهداء وآلاف الجرحى وآلاف العائلات التي تنتظر عودة أبنائها من جبهات الحرب مع داعش، كما أكسبت هذه الحرب الأكرادَ أصدقاء كثر حول العالم، والأهم أن هذا التطور وهذه القوة التي لا يمكن لميشيل كيلو ورفاقه أن يفهموها لم تغرر بالأكراد إنما زادت من حرصهم على الهوية الوطنية والشراكة الحقيقة وهذا ما يدفعهم باستمرار للبحث عن مقعدٍ في محافل التفاوض.
عندما يقول ميشيل كيلو أنه لن يسمح باسرائيل ثانية ويقصد الكرد السوريين لأنهم قصموا ظهر داعش، فهذا يعني موافقة معارضته على إسرائيل الأولى بالتزامن مع توجه رجب طيب #أردوغان إلى الإسرائيليين لإعادة التطبيع وإعلان الاتفاق الجديد معهم.
إن الغرور والعناد والتشبث بالرأي هذه الأضلع المتلازمة في حربة الكثير من المعارضين لم تدفع الكرد ليكونوا متساهلين في أهدافهم كما كان متوقعاً، ولكنها جعلت من هذه المعارضة أقل قوةً واستقراراً وأفقدتها التوازن وضيعت عليها الفرصة في إمامة الطيف السوري كما ينبغي، فالمعارضة لم تنظم نفسها وفضلت أن تتخذ مواقفها وتصيغ قراراتها بالشكل الاعتباطي البعيد عن الفكر والسياسة الواقعية.
لذا يتحدث ميشيل كيلو كالأقوياء ويتوعد في لقاءه الأخير “بتقسيم ظهر الكرد” إذا قسموا #سوريا، في محاولة لإبراز الحرص على سلامة سوريا التي غادرها نصف شعبها إلى #تركيا، إن كارثة السوريين الحقيقية لا تقتصر على طبيعة النظام الاستبدادي فحسب وإنما الكارثة أيضاً في هذه المعارضة التي استبدلت الفكر السياسي بصندوق النزوات التركية.. فكلما حققت القوات العسكرية الكردية مزيداً من الانتصارات في شمال سوريا، تزداد انفعالات المعارضة السورية تجاه الشعب الكردي وهذا يرتبط بالخصائص الذهنية التي تجعلهم عاجزين أمام تطورات المشهد في سوريا وتبدو لهم هذه التطورات أقوى من طاقتهم على الاستيعاب لأنها بنظر ميشيل كيلو “تخالف التقاليد السياسية الكردية في العمل الوطني”، وأعتقد جازماً أنه يقصد بالتقاليد الكردية في العمل الوطني أن يضع الأكراد سلاحهم وأن يكتفوا بتشكيل فرق الفلكلور والموسيقى ومنتديات الثرثرة للتغيير.
إن الطاولة السورية لن تبقى مقصورة على معارضة ميشيل كيلو ونظام حزب البعث كما يخبره به العرافون والمنجمون الأتراك، الذين خابت كل قراءاتهم للطالع السوري، فالحقيقة الكردية المتبلورة ضمن نطاقها الوطني في الشمال السوري باتت تؤرقهم وتحجب رؤاهم عن الداخل، وحقيقة ما يزعج ميشيل أنه إذا قرر يوماً ما العودة من الشمال فقد لا يكون من خيار أمامه ورفاقه إلا المرور من تحتها “طاولة الأكراد” في الشمال السوري.
عن موقع: الحل
التعليقات مغلقة.