فرهاد .. عُد إلينا …فنحن بانتظارك.!!  

40

 

أكرم حسين
أكرم حسين

كان جالسا أمام محلة أخيه في مدينة القامشلي في اليوم الثاني من تشخيص حالته الصحية. قال لي: أرأيت يا أبا أحمد لا أحد يهتم بنا أو يسأل عنا، لأننا نمارس كرديتنا، ونبتعد عن المواقع الحزبية، لو كنا متحزبين أو مناصرين لأي حزب، لرأيتهم يهرعون بالسؤال وتقديم الواجب، ولأننا مسكونون بالوجع الكردي فلا احد يهتم بنا، ثم أجهش بالبكاء!!

حاولت أن أواسيه وأشد من عزمه رغم تأثري الشديد وانكساري الداخلي، خانتني الدموع كانت واضحة في مقلتي!! بعد ان استودعته قررت في نفسي أن أفعل ما بوسعي من أجله، وتحويل قضية مرضه إلى رأي عام، لأن فرهاد لم يكن محسوبا على أي طرف حزبي، واستطاع أن ينأى بنفسه عن أوحالها ولم يكن ينجرّ إلى الصراعات الحزبية التي كانت تعصف بها الساحة الكردية، بفرض منطقها الشمولي أما معي أو ضدي !!

أجريت بعض الاتصالات مع بعض الاصدقاء في الخارج. أبدى الجميع استعدادهم لتقديم ما يلزم، خاصة صديقي خليل حسين أبو توليب الذي أبدى استعداده لتسهيل سفره إلى سويسرا خلال شهر أو أكثر على أكثر تقدير، صديق آخر أبدى رغبته في تامين معالجته في تركيا، إلا ان فرهاد كان يفضل عدم الخروج من الوطن، ونظرا لوضعه الامني ومتابعته من إدارة أمن الدولة- الفرع الخارجي 279 بسبب مشاركته الفعالة في الثورة السورية وعبر تظاهرات القامشلي التي واظب على المشاركة فيها إلى ان دخلت الثورة مرحلة العنف والعسكرة، فضل العلاج في كردستان لاعتبارات عديدة، منها سهولة عودته إلى مدينته التي أحبها وأحبته كثيرا ولم يكن يود مغادرتها، ولأنه يرى هولير عاصمته الثانية بعد دمشق!! مما دفعني إلى كتابة بوست على الفيس بوك وهكذا فعل الصديق أحمد أبو آلان مدير جريدة بوير برس.. دعونا فيه الجميع بالدعاء لفرهاد لتجاوز محنته، عندها توالت الاتصالات والاستفسارات من كل حدب وصوب من الداخل, من الاقليم, وأوربا للاستفسار عن وضع فرهاد واحتياجاته! ومُدّت أيادٍ كثيرة للمساعدة وتعهدت بتقديم ما يلزم ..

الشاعر طه خليل زاره في محله وتعهد بتسهيل إجراءات دخوله إلى كردستان والاستاذ ابراهيم يوسف اتصل مع الاقليم والدكتور حكيم الذي أبدى استعداده لتقديم ما يلزم .. الاخ فهد صبري الجندي المجهول، تواصل مع الأخ شيروان ابراهيم الذي اتصل بدوره مع مكتب الرئاسة ومع مسؤول المعبر شوكت بربهاري وهكذا التقت للمرة الاولى كل الجهود الخيرة عبر عمل انساني مشترك رغم كل حملات التجييش والاحتقان.

للمرة الأولى ينتصر نداء الواجب الانساني على الحقد والكره والعداوة … هي المرة الأولى كما أعتقد يتعالى فيها الكردي ويسمو بتقديم العون والمساعدة لشاعر مازال حيّاً يمشي على قدميه ويرى بأم عينيه.

وقدمت الادارة الذاتية في الجزيرة كل ما بوسعها من أجل تسهيل عبور فرهاد إلى الاقليم وتكفلت حتى بنفقات علاجه سواء في الإقليم أو أوربا أو أي مكان آخر!! هذا ما أبلغه الشاعر طه خليل لذوي فرهاد أمام الجميع باسم الادارة الذاتية، كما استقبله مسؤول معبر سيمالكا آراس بكل محبة واحترام وقال بالحرف نحن في حالة انتظار واستنفار من أجلك ماموستا منذ يومين!

كذلك لم تدخر حكومة الاقليم جهدا ولم تتأخر عن تقديم المساعدة وأبدت استعداها منذ سماع النبأ بتكفل نفقات العلاج والإقامة, البارحة ليلا هاتفني فرهاد قائلا لقد اتصل بي آلدار خليل للاطمئنان عن صحتي وتكفل بتقديم ما يلزم، كما زارني الدكتور حميد دربندي مسؤول ملف كردستان سوريا في الاقليم في مكان إقامتي وقد تكفلوا بنفقات الإقامة والعلاج، كما أكد بانه سيبقى وفيا لشعبه وأمته وهو ليس طرفا في الصراعات الحزبية القائمة وسيبقى وفيا لكرديته كما كان، ولن ينجرّ إلى خندق التحزب والتعصب الاعمى …!!

هذا هو فرهاد كما كان وكما كنا نعرفه, مدافعا أصيلا عن قيم وثقافة الشعب الكردي, بعيدا عن التعصب أو التخندق الاعمى, نبيلا ومدافعا عن قيم العدل والحق والحرية. هي المرة الاولى التي يتم فيها الاهتمام وتقديم العون والمساعدة لقامة ثقافية أو فنية أو شعرية أو حتى سياسية, وهي على قيد الحياة !!

فالعديد من مبدعينا الكرد فارقو الحياة وهم بأمس الحاجة إلى العناية والرعاية دون ان يلتفت اليهم أحد كالشاعر تيريج وكلش وبالو..!! لأنه من عادة الكرديّ أن يحتفي بالأموات لا بالأحياء حيث يقوم بتوزيع الجوائز ويحتفل بذكرى وفاتهم أو زيارة مقابرهم ..!! وقد يتم في بعض الأحيان نسيانهم، كالشاعر أحمدي بالو الذي زرناه معا هذه السنة بصحبة شاعرنا الكبير فرهاد وقبره يكاد لا يُعرف !! وهو مغطى بالأشواك, وقد تأثر الشاعر فرهاد حينها بالموقف كثيرا.

في النهاية أتقدم بالنيابة عن أمير القصيدة الكردية والرومانسية فرهاد عجمو الذي طلب مني الاعتذار باسمه من الجميع عن كل ما بدر منه في الآونة الاخيرة !! بسبب مرضه الذي لم يكن يعلم عنه شيئا، كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى الادارة الذاتية في الجزيرة وعلى رأسها السيد آلدار خليل، وإلى حكومة الاقليم، وآخص بالذكر الدكتور حميد دربندي لما قدمه ووفره من رعاية وكرم ضيافة واهتمام، والشكر موصول أيضا لكل الاخوة والاصدقاء والكتاب والشعراء والشخصيات الوطنية التي لم تدخر جهدا في تأدية واجبها الانساني سواء بالمساعدة او الاتصال أو السؤال او مشاركة الشاعر المهندس فرهاد عبدو ابراهيم (عجمو) مشاعر الحزن والالم.

فرهاد عُد إلينا… فنحن بانتظارك ….!!!

القامشلي 21-6-2016

 

 

التعليقات مغلقة.