زاوية حادّة: في رثاء الثورة السورية
ثمة من يضع كلمة الثورة بين قوسين وثمة من يضع المصطلح كله بين قوسين ولكن ثمة أيضا من يطيح باﻷقواس ويضيف إلى الثورة صفة المباركة ويعطفها بالمجيدة ويغنجها بثورة الحرية والكرامة والياسمين.
ما يقف خلف هذا الاختلاف الحاد في اﻵراء ليس سوى النتائج الكارثية التي تمخضت عن هبة شرائح واسعة من السوريين في ربيع 2011 ضد نظام مستبد وراكد وملكي مموّه، هذه النتائج التي جاءت مخيبة للآمال ولكن موافقة لطبيعة الأشياء ومنطق اﻷحداث ومصالح الدول الكبرى واﻹقليمية المجاورة.
يحضرني هنا أن أتفلسف فأقول مدّعيا البحث في أصل الداء: العنف وسيلة من وسائل الثورة وليس هو الثورة بذاتها أما ما جعلنا نفقد البوصلة فهو أننا اعتمدنا على ترجمة النظام المغلوطة والمضللة لمصطلح الثورة الشريف. قام نظامنا ( الذي ما زال حاليا ) في أعقاب سلسلة من الانقلابات العسكرية التي كانت جميعها تقدم نفسها على أنها ( ثورة الجيش المؤيد بالشعب ضد الطغيان السياسي وفساد الحكام ) وكانت جميعها تنطلق عادة بعد منتصف الليل البهيم فتحاصر منزل الرئيس ودار الحكومة والبرلمان واﻹذاعة وتنجح ( الثورة ) بالطبع بمجرد إعدام الرئيس السابق وأركان حكمه وإصدار البيان رقم واحد لتبدأ بعدها حفلات التصفية واﻹعدام وحملات الاعتقالات والملاحقات.
إن نظاما جمع في بنيانه خبرات جميع الانقلابيين السابقين عليه باﻹضافة إلى خبرته الذاتية في إخماد حركة اﻹخوان المسلمين في الثمانينيات وانتفاضة الكرد في 2004 مضافا إليها إيمانه الذي لا يتزعزع بالعنف والانقلاب كوسيلة دائمة وناجعة للتغيير، نظام كهذا لن يشعر بالخوف بل بالنشوة عند قيام حركة مسلحة ضده ﻷنها ستكون مناسبة يستعيد فيها نشاطه ويحرك دماءه الراكدة باﻹضافة إلى حاجته المزمنة إلى اختبار وفاء حلفائه ووزنه في سياسات الدول الكبرى وتحديد مكانه في خريطة تناقضاتها.
يعرف الجميع أن من دفع بالثورة السورية نحو التسلح لم يكن الشعب بل واحد من ضباط النظام المنشقين عنه ونحن هنا لا نشكك في نوايا الرجل ولا في حق الشعب في الدفاع عن نفسه ولكننا نشكك في جدوى الطريقة التي جرى اتباعها بوحي غير مباشر من النظام نفسه, فليس من المنطقي أن تطلب من ضابط ترعرع في كنف النظام أن يعتصم في ساحة العباسيين ويتلقى الضرب واﻹهانة من عنصر مخابرات دون أن يحرك ساكنا, ولا أن تطلب من نظام عنفي إنقلابي كنظام اﻷسد أن يسلك سلوك القوتلي أو سوار الذهب أو حتى زين العابدين بن علي.
للكواكبي رحمه الله ثلاث نقاط يوافق عند توفرها على الثورة ضد المستبد وهي: أن يشعر كل الشعب أو جلّه بالظلم، أن يقاوم المستبد باللين والتدرج، أن يتم إعداد بديل المستبد قبل اﻹطاحة بالمستبد.
ولابن المقفع رحمه الله حكمة يجريها على لسان أحد “حيوانات ” كليلة ومنة يقول فيها : إن من صارع من لا طاقة له به فقد أعانه على هلاك نفسه.
أقول والثورة السورية في حملها السادس: ثمّة من قضى نحبه في سبيل حرية شعب قابع منذ نصف قرن تحت نير الاستبداد وثمة من يتنقل من خطر إلى آخر تحت نيران النظام بينما عيناك تتنقلان بين هذه السطور وثمة من ركب الموجة جامعا إلى المخاطرة كسب المال وثمة من يتاجر بالقوت والتابوت وثمة أخيرا من يجلس مثلي على بساط رقيق ويكتب عن جميع هؤلاء.
زاوية خاصة يكتبها ابراهيم خليل لصحيفة “Buyerpress”
2016/6/15
التعليقات مغلقة.