هل هناك صراع في روجآفا؟

44

وإذا وُجِدَ؛ فمن هم أطرافه؟

سيهانوك ديبو
سيهانوك ديبو

شهد التاريخ البشري قيام آلاف الثورات، ولكل ثورة منها تعريف يغاير الآخر، من حيث أن خصوصية كلاً منها تختلف عن الآخر من حيث الهدف والوسائل والنتائج والآليات المؤدية إلى تلك النتائج. ونصيب القول بأن ثورة 19 تموز 2012 الروجآفاوية ما يميّزها وما يجعلها ثورة تشبه نفسها وتتشابه مع الرؤى العامة للثورات في الحين ذاته. لكن؛ ما يجعل الثورات متشابهة في الظاهر مسألتين, تتمثل أولاهما بالقطيعة مع القديم وإنتاج أسلوب جديد ينّم عن روح المجتمع الذي تم الاستبداد به وتغييبه، أما ثانيهما فتتحقق بالاستواء المُحْدَث؛ أي لا قشور ولا أقنعة ولا خطوط زائدة ولا تفاسير متناقضة، فالانعطاف المتحصل لا يسمح بظهور البِدَعِ. على أن حالة الاستواء التي أحدثتها ثورة روجآفا ومن خلال المنعطف المُعايِن بها؛ أدّت وظائف مخصوصة بها، وأدت في الوقت نفسه وظائف مخصوصة بغيرها إذْ لم تستطع أو لم تظهر القوة الثورية الكافية في مناطق أخرى سورية؛ فقامت العمل بالنيابة عنها. وإذا ما استثنينا الثورة في روجآفا؛ فقد تحول الحراك الثوري في عموم الجغرافية السورية إلى حالة احتراب بينية، وظهورها اليوم بمفاد نتيجة الحرب الطائفية بين السنة والشيعة توسيم يفي بتفاصيل الوضع الحالي ويظهر حالة النفخ الكبيرة في الحراك ليقلبه من حراك ثوري إلى حرب طائفية. وسوريا من نظام استبدادي مركزي إلى مناطق نفوذ طائفية مشتعلة. إلّا أن الثورة في روجآفا وحالة المأسسة الظاهرة وبلوغ المجتمع في روجآفا حالة مغايرة لما سبقته قبل إعلان الإدارات الذاتية الديمقراطية في 22 كانون الثاني 2014 التي تشكل اليوم كنه النظام الفيدرالي الديمقراطي لروجآفا- شمال سوريا؛ علاوة على المكتسبات الجمة المتحققة في الجانبين الدبلوماسي وآخرها افتتاح ممثلية روجآفا الخامسة في باريس، وأنه يصعب الحديث عن الحل السياسي للأزمة السورية دون وجود ممثلي الكرد الحقيقيين المؤثرين؛ لسان حال راعيي الملف السوري واشنطن وموسكو وهذا يعني بالضرورة أن ما يُشهد له في جنيف ويُظْهَر وفي أفضل وصف له ليس سوى إحماء؛ سيتحول إلى حلبة مفاوضات حقيقية فقط بحضور ممثلي روجآفا بجناحيه السياسي والعسكري. والمكتسبات الملموسة في الجانب الميداني العسكري غدت كثيرة كبيرة مرتبطة بقوة العقل الجمعي المنتج للحرية والتي تحتاج على طول الخط إلى قوة للدفاع المشروع يقوم بصون هذه الحرية؛ من حيث أن الحديث عن الحرية بدون قوة الأمن مجرد حلم عابر يصعب الاستمرار به؛ كما في حال الثورات جميعها. وفي المجال الميداني وفي هذه اللحظات التي تستحق أن تسمى بالتاريخية يعتبر توجيه ضربة قاضية للتنظيمات الإرهابية المحتلة للأراضي السورية كداعش والنصرة وجميع المجموعات المسلحة المرتبطة بهما؛ عمل وطني وإنساني وقومي يبتدأ من محور الرقة الشمالي وينتهي على تخوم عفرين. يمكن تسمية هذا الخط المائل/ الأعوج بخط الكارثة السورية الأساسي؛ حان وقت تحطيم هذا الخط بمطارق قوات سوريا الديمقراطية ويجعله أثر بعد عين وتنهي الشرور التي لحقت بهم طوال السنين الماضية. علماً بأن للمطرقة في التاريخ الكردي رواية طويلة غزلها كاوا الحداد قبل آلاف السنين، ويغزلها اليوم أحفاده وجميع مكونات روجآفا- شمال سوريا لاستعادة الحقيقة المغيّبة منذ مئات السنين: بأن الأوطان تتسع للجميع؛ فقط عندما تكون ديمقراطية.

خلاف هذا المشهد كله؛ يصر البعض بأن الصراع في روجآفا على أشده؛ ووفق زعمهم بأنه صراع بين حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وبين المجلس الكردي أو ب د ك- س. في الحقيقة إن مثل هذا التوصيف بالإضافة إلى أنه غير صائب؛ هو غير موجود أساساً، و(ربما) كان يصلح للنقاش أو التحليل قبل ثورة روجآفا 19 تموز 2012 وقبل الحالة المؤسساتية التي نشهدها منذ إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية 2014. وقبل أن ينتقل الكرد لأول مرة على سطح المسرح السياسي الدولي من خلال فكر الأمة الديمقراطية وتطبيقه المتمثل بممارسة جميع المكونات المعلنة عن خطوة الحلّ المتمثلة في النظام الفيدرالي الديمقراطي لروجآفا- شمال سوريا. وقبل أن يتم القبول الدولي المتدرج والمتسلسل والاعتراف بالحل وبمنتجيه. وإذا ما قبلنا على سبيل الفرض بأن هناك في محل ما في روجآفا صراع؛ فقد يكون بين كتلة وتكتل؛ الأولى صاحبة الانتصارات الميدانية والدبلوماسية والتي تضم عشرات الأحزاب والقوى السياسية ومن بينها حزب الاتحاد الديمقراطي؛ والتكتل الثاني يمثله بعض من شخوص الـ “ENKS” وبعض من قيادات حزبين من أحزابها، وعلى الرغم من الحالة التنظيمية المتدنية التي يعيشهما هذين الحزبين؛ وهذا ليس بالتحليل أو التوقّع وإنما حالة ملموسة باتت في متناول المهتمّ بالوضع السياسي الذي يحدث في روجآفا، بأن التكتل بات مُنّفذاً لأجندات مفروضة عليه وهذا ما يؤكده حتى رفاقهم سواء في القيادة أم في القاعدة؛ وهؤلاء (من في القواعد ومن في القيادة) وبالرغم من الاختلاف الفكري والسياسي بينها وبين الكتلة الأولى إلا أنهم مرحبون بهم وأبواب الإدارة الذاتية بكل ايجابياتها ونواقصها وأخطائها مشرّعة أمامهم. أمّا محاولة ذلك الرهط بإبراز نقاط الخلاف بمفاد المناصفة (الفيفتي) ومن ثم خلاف على تقاسم النفوذ على واردات معبر سيمالكا وبترويج من ثلة تدّعي الأكاديمية وأخيراً إيجاد قوة عسكرية ثانية؛ فجميعها مرفوضة وغير صحيحة من حيث أثبتت التجارب الكردستانية والشرق أوسطية بأنها مدمرة. ولأنها كذلك لا يمكن القبول بها مطلقاً. فوجود قوتين في منطقة واحدة شأن مرفوض ولا يمكن القبول به؛ والاستفادة من تجربة الكتائب اللبنانية والفصائل الفلسطينية وتجربة باشور وتداعياتها على وضعهم الراهن سببه الأساس بِمفاد التقاسم والنفوذ والاقتتال البيني وبالتالي البقاء تحت رحمة الأجندات الإقليمية والعالمية. وهنا يجب التنويه إلى إمكانية الاستفادة -في الوقت نفسه- من جميع التجارب مثال تجربة باشور ونواحيها الايجابية بما يتماشى مع خصوصياتنا. كما أن تحويل المشهد المتقدم والحالة الحالية الجيدة في روجآفا على أساس أنها غنيمة وكعكة يجب اغتنامها ومناصفتها فأيضاً مثل هذه النظرة القاصرة مرفوضة أخلاقياً وسياسياً. والهدف المتمثل بإدارة ديمقراطية لها معارضة ديمقراطية؛ لا يقبله الرهط؛ غير مسموح له القبول.

ووفق ما تقدم يمكننا القول بقناعة حتمية بأن حواضن التقاسم والاقتتال البيني ليست لها أية حاضنة في روجآفا ولا يمكن القول بأن صراعاً وتناحراً يمكن أن يكون موجوداً اليوم على خلاف تموجداته المتناثرة قبل ثورة روج آفا 2012.

نشر هذا المقال في العدد (44) من صحيفة Buyerpress

تاريخ  1-6-2016

مقالات

التعليقات مغلقة.