الاستلاب الدرامي في المسرح الكردي في سوريا

182
عامر
عامر خ. مراد

مئات الدراسات والأبحاث وربما الآلاف منها حاولت التطرق لجوهر عملية الفرجة المسرحية وكيفية جعل الممثل المسرحي قادرا على إيصال المضمون المنجز في الكتابة الدرامية بأهدافها للمتلقي, فاستطاعت مجمل هذه الدراسات والأبحاث ومجمل هذا العمل الدؤوب الوصول إلى مجموعة من القواعد ومجموعة من الإرشادات المسرحية الأكثر أهمية على صعيد العلاقة بين الممثل والمتلقي, وكذلك بين الجملة الدرامية التي ينطق بها الممثل ليسمعها المتلقي ويفسّرها على أسس مرتبطة بمجمل ما هو موجود على الخشبة من إيحاءات ودلالات ذات صلة بالهدف العام الذي يعمل الكادر المسرحي على وضع المتلقي أمامه.

وكانت عملية مخاطبة الجمهور بشكل إيحائي من صلب هذه الدراسات, حيث بدأت عملية البحث عن الآليات الكفيلة بإيصال الفكرة عبر ( النص المتكامل – الحوار المثالي – الديكور المتوافق مع المبتغى العام – الجو العام الذي يخلقه هذا العمل المسرحي – الموسيقا – الإضاءة ………الخ ) من التفاصيل العاملة والمشتغلة على عملية وضع اللمسات الأخيرة لإدراك المتلقي لمضمون العمل المسرحي, وكان هذا كله ما عمل المسرح الكردي في سوريا على هدم كافة أساساته عندما لجأ إلى الأسلوب الخطابي في محادثة الجمهور وإدارة الظهر لكل المقومات الموجودة على المسرح والاكتفاء بعملية المواجهة والعمل على إثارة المتفرج بتوجيه دفة الحوار إليه مباشرة دون أي وسيط.

يقول الباحث المسرحي الدكتور يونس لوليدي إنّ “الكلمة في المسرح، لا تعدو كونها وسيلة تواصل ناقصة, ما يدعو كلّ الأطراف المساهمة في العملية المسرحية إلى تتميمها وإثرائها، بواسطة اللعب والموسيقى والحركة والرقص والديكور… وغيرها من العناصر التي تجعل خشبة المسرح نفسها تتكلم لغتها الخاصة” وهذا هو بالتحديد ما قام المسرح الكردي بإنكاره على خشبة المسرح عندما جعل الكلمة واضحة بذاتها وموجهة بشكل فج متناسيا عملية المسرحة القائمة على عملية فرجة متكاملة ضمانا لعملية الإمتاع وإرضاء الاشتراط الدرامي الذي أصبح غائبا في المسرح الكردي في سوريا نتيجة اللجوء إلى الكلمة والخطاب المباشر والاستغناء عن الفعل الدرامي والحدث.

فما هي أسباب هذه الظاهرة في المسرح الكردي وما هي الدوافع لذلك؟

قد تبدو الدوافع كثيرة ولكنها لم تستطع أن تجعل من المؤلف الدرامي في المسرح الكردي يدرك حقيقة خرقه لحرمة التكامل ما بين عناصر الفرجة المسرحية للوصول إلى المبتغى, فهو يؤمن بأن هذا هو الصحيح لأنه لا يدرك الكنه الحقيقي للفعل المسرحي.

وتختلف الأسباب من أسباب تتعلق بالمؤلف الدرامي إلى المخرج الذي يكون هو ذاته المؤلف غالبا والذي يفتقد إلى الخبرة في التأليف المسرحي والإطلاع على صيرورة ما وصلت إليه الحالة المسرحية في العالم وعدم قدرته على السير بالحبكة إلى النهاية دون أن تكون هناك عملية لامنطقية في الترابط بين الحدث والآخر, ولأنه أيضا يدرك أنه حتى بهذه الكتابة البعيدة عن الحرفية سيشغل حيزا من انتباه المتفرجين, وفي المقابل هو لا يدرك أن هذا الانتباه الآني للمتفرج سيزول بعد فترة ويؤثر سلبا على مجموع عملية المسرحة.

وهناك أسباب أخرى تتعلق بعدم وجود الناقد الحقيقي فكل ما هو موجود عبارة عن هواة نقد بعيدون عن إدراك ماهية الاشتراطات المسرحية وأهمية وضع الأمور في مساراتها الحقيقية بعيدا عن المجاملة والتحيز وبعيدا عن السطحية في تناول عناصر أي عمل مقدم على المسرح.

ويتحمل الجمهور أيضا عبئا ووزرا في عملية فشل حالة التواصل مع الممثل على الخشبة فعدم قدرة هذا المتفرج على إدراك ما يرغب الممثل الوصول إليه وشروده الدائم بحكم فقدان عملية المتعة المسرحية المقدمة في هذه العروض تجبر الممثل على اللجوء إلى مخاطبته بشكل مباشر لتنتهي العملية المسرحية ويتنفس الممثل الصعداء, نعم فلقد أوصل فكرته أخيرا وربما يكون السبب في هذا الأمر هو أيضا حداثة المسرح في الواقع الكردي وعدم انتشاره على الصعيد العام.

كما أن عملية استغلال هذا الجمهور لأغراض معينة كانت سببا كذلك في عملية الخطاب المباشر ونبذ العملية الدرامية وإفشالها, فلقد جرت العادة على تقديم العروض لصالح هذه الجهة السياسية أو تلك مما يفرض حالة من الرغبة لدى السياسي في توظيف الممثل كآلة مخاطبة للجمهور تقربه من مبتغاه المقصود.

كل هذه الأمور وأمور أخرى متعددة أدت إلى حالة من الاستلاب الدرامي في المسرح الكردي, عبر تجاهل شبه تام للمضمون الحكائي في المسرحية, وإغفال عناصر الحبكة وتتاليها على النحو المقبول, وعدم القدرة على توظيف عناصر المسرحة كافة بالقدر المنطقي وبما يحقق للقائمين على العملية المسرحية رغبتهم في إيصال فكرتهم والغاية من هذا العرض, وهذا ربما أدى بدوره إلى عدم القدرة على تدوين ولو بعض من هذه المسرحيات لأنها تفتقد إلى عنصر الحكاية قبل كل شيء, كما أن هذا الأمر هو أيضا السبب في عدم القدرة على الاستفادة من المنتج المسرحي للآخر فغابت العروض المسرحية المأخوذة عن مسرحيات غربية مثلا عبر نظرة كردية لها وتوظيف تلك النتاجات لأغراض وأهداف نبتغيها أصلا في ما نقدمه مما هو غير قابل لتسميته بعروض مسرحية لأنها تفتقد إلى عناصر الارتباط بالمنتج المسرحي المتكامل وتفتقر لروح الاندماج مع حالة الفرجة الخلاّقة.

عامر خ. مراد

التعليقات مغلقة.